وقدود الأغصان قد راسلت أهواء القلوب بالأوراق، وقيان1 حمائمها قد ترنمنت وجذبت القلوب بالأطواق، والورد قد احمر خده الوسيم، وفكت أزراره من أجياد القضيب أنامل النسيم، وخرجت أكفه من أكمامه لأخذ البيعة على الأزهار بالتقديم.
ومما كتبته، في البشارة الصادرة على الملك المؤيد، عند عوده من البلاد الرومية وحلول ركابه الشريف بحلب المحروسة، المتضمنة ما من الله به من الفتح الذي صار له في الروم قصص، سنة عشرين وثمانمائة، فمن ذلك قولي عند حصار قلعة طرسوس وفتحها: ورأوا ألسن السهام في أفواه تلك المرامي، فقالوا رأينا المصائب ناطقة، وما رموا على سماء برج غيوم ستائر إلا لمعت فيها من بوارق نقوطها بارقة، وحكم عليها القضاء بالاعتقال، ولم يأتوا عند ذلك الحكم بدافع، هذا بعدما صفق مقبلهم جماد وجهه فبصقت فيه أفواه المدافع. وقولي في الاستعارة المرشحة أيضًا، عند حصار قلعة دريدة وفتحها: وقررنا صدع سورها باختلاف الآلات، فجاء ما قررناه نقشا على حجر، وادعت أن صخرها أصم، فأسمعناه من آذان المرامي تنقير المدافع وتحريك الوتر، وقرعنا سن جبلها بنابات المداقع2 وكسرنا منه السنية وأمست حلق مراميها كالخواتم في أصابع، سهامنا المستوية. ومثله قولي، عند حصار قلعة كختار وفتحها، على لسان حال القلعة في سموطها وإفراط علوها: فأنا الهيكل الذي ذاب قلب الأصيل على تذهبيه، وود دينار الشمس أن يكون من تعاويذه، والشجرة التي لولا سمو فرعها تفكهت به حبات الثريا وانتظمت في سلك عناقيده، وتشامخ هذا الحصن ورفع أنف جبله وتشامم، فأرمدنا عيون مراميه بدم القوم، وأميال سهامنا على تكحيلها تتزاحم، وغاية الغايات في هذا الباب، قولي عند حصار قلعة كركر: وتنكرت أكراد كركر بسور القلعة فعرفناهم بلامات القسي وألفات السهام، وعطست أنوف مراميها بأصوات مدافعنا وكان بها زكام. ومن حسن ختامها، ولم نخرج عما نحن فيه من بديع الاستعارة، وغريبها، قولي: فلا بكر قلعة إلا افتضينا بكارتها3 بالفتح، وابتذلنا من سترها الحجاب، ولا كأس برج أترعوه بالتحصين، إلا توجنا رأسه من حبات مدافعنا بالحباب. انتهى.
ولم أحبس عنان القلم عن الاستطراد إلى ما وقع لي من محاسن الاستعارة نظمًا، إلا للتخفيف عن بيت البديعية، وقلت: تكفيه المزاحة في مناظرة الشيخ صفي الدين