{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} أبلغ من كثر شيب الرأس، وهو حقيقة، ولا بد للاستعارة من مستعار منه ومستعار ومستعار له، فالنار مستعار منها، والاشتعال مستعار، والشيب مستعار له. انتهى.

ومنهم من قال: هي ادعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه، وهذا يؤيد قول ابن جني: إن لم تكن الاستعارة للمبالغة، وإلا فهي حقيقة. وكلام ابن جني حسن في موضعه، فإن الشيء إذا أعطي وصف نفسه لم تكن استعارة.

وقال ابن المعتز: هي استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء عرف بها، كقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "ضموا مواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء"، فاستعار -صلى الله عليه وسلم- للعشاء، لقصد حسن البيان.

ومنهم من قال: هي استعارة الشيء المحسوس للشيء المعقول. قال فخر الدين الرازي: هي جعلك الشيء للشيء للمبالغة في التشبيه. وقال ابن أبي الأصبع في "تحرير التحبير" هي نقل اسم الراجح إلى المرجوح، لطلب المبالغة في التشبيه وحسن البيان، فإنك إذا قلت: زيد أسد، فقد نقلت اسم الأسد لزيد، لكن الأسد راجح في الجراءة، وزيد مرجوح، وقد بالغت في تشبيه زيد بالأسد، وأحسنت البيان، انتهى.

ولا تحسن الاستعارة إلا إذا كان التشبيه مقررًا، وكلما زاد التشبيه خفاء زادت الاستعارة حسنًا، وما أحسن قول ذي الرمة هنا:

أقامت بها حتى ذوي العود في الثرى ... وكف الثريا في ملاءته الفجر1

فاستعار للفجر ملاءة، وأخرج لفظه مخرج التشبيه، وكان أبو عمرو بن العلاء لا يرى أن لأحد مثل هذه الاستعارة، وأحسن الاستعارات ما قرب منها دون ما بعد، وأعظمها، في هذا الباب، قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} 2 فإن ظهور الأنوار من المشرق من أشعة الشمس قليلًا قليلًا، بينه وبين إخراج النفس مشابهة شديدة القرب، ومن هذا النور استضاء الحريري، في مقاماته، بقوله: إلى أن عطس أنف الصباح، وقد تقدم أن بُعْدَ الاستعارة يبعد من القلوب، عند أهل الذوق، كقول أبي نواس مع يقظته:

بح صوت المال مما ... منك يشكو ويصيح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015