ذكر الاستعارة:

وكان غرس التمني يانعا فذوى ... بالاستعارة من نيران هجرهم

الاستعارة عندهم أقصى من المجاز، وهي أخص منه، إذ قصد المبالغة شرط في الاستعارة دون المجاز، وموقعها في الأذواق السليمة أبلغ، وليس في أنواع البديع أعجب منها، إذا وقعت في مواقعها، وللناس فيها اختلاف كثير.

وأما أصحاب المعاني والبيان فإنهم أطلقوا فيها أعنة أقلامهم، وجالوا بها في ميادين البحوث. وليس الغرض هنا إلا نفس الاستطراد إلى مواقع فيها من المحاسن، نظمًا ونثرًا، بعد تقريبها إلى الأذهان بحدود يزول بها الالتباس.

حد الرماني الاستعارة فقال: هي تعليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة، على سبيل النقل. وذكر الخفاجي كلام الرماني وقال: تفسير هذه الجملة قوله عز وجل: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 1 استعارة، لأن الاشتعال للنار، ولم يوضع في أصل اللغة للشيب، وقلما نقل إليه بأن المعنى، لما اكتسبه من التشبيه، لأن الشيب لما كان يأخذ من الرأس شيئًا فشيئًا، حتى يحيله إلى غير لونه الأول، كان بمنزلة النار التي تسري في الخشب، حتى تحيله إلى غير حالة المتقدمة، فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة في الوضع للبيان.

ولا بد أن تكون الاستعارة أبلغ من الحقيقة، لأجل التشبيه العارض فيها، لأن الحقيقة لو قامت مقامها، لكانت ولى بها، ولا يخفى على أهل الذوق أن قوله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015