ووصفه صاحب قلائد العقيان بهذا الفصل وقال: مالك أعنّة المحاسن وناهج طريقها، العارف بترصيعها وتنميقها، الناظم لعقودها، الراقم لبرودها، المجيد لإرهافها، العالم بجلائها وزفافها. تصرف في فنون الإبداع كيف شاء، واتبع ذكره في الإجادة الرشاء، فشعشع القول ورَوّقَه، ومدّ في ميدان الإعجاز طلقه، فجاء نظامه أرقّ من النسيم العليل، وآنق من الروض البليل. وذكر أنّه كان في ريعان عمره ذا مجون وتهتك، وعاد في زمن كهولته ذا ورع وتنسّك، وأورد له، يندب أيام شبابه:
ألا ساجل دموعي يا غمام ... وطارحني بشجوك يا حمام
فقد وفّيتها ستين عاماً ... ونادتني ورائي: هل أمام
وكنت ومنلُباناتي لُبَيْنى ... هناك ومن مراضعي المدام
يطالعنا الصباح ببطن حَزْوى ... فيُنْكِرنا فيعرفنا الظلام
وكان به البَشام مَراح أُنس ... فماذا بعدنا صنع البَشام
فيا شَرْخ الشباب ألا لقاء ... يُبَلُّ به على برَح أُوام
ويا ظِلّ الشباب وكنت تندى ... على أفياء سرحتك السلام
ومما أورده غيره: وقال ابن خفاجة في الحمّام:
أهلاً ببيت النار في منزل ... شيد لأبرار وفجّار
نقصده ملتمسي لذّة ... فندخل الجنّة في النّار