الدهر أعزك الله إن بني مشيدا هده، وإن وهب نفيسا استرده، وإن حل نعمة أصارها شرقا، وإن كحل نومة أعقبها أرقا، ولا برهان إلا ما شاهدته غداة لقيتك بظهر الفلاة، وسقيتك ألذّ من طيب الحياة، والسرور قد غار في جو الجوى، والقرب قد حار في جيش النوى، فلم يك بين التسليم والوداع مهلة، ولم يبح من الالتياع من الشفاء نهلة، فما وخدت ركابك إلا وقلبي يتبعها، ولا أنجدت قناتك إلا وطرفي يقرعها، فما جيرة ابن حطان وقد انتسب إلى القبائل، ولا الحارث ابن عباد وقد نشب في حر بوائل ولا ابن مفرغ وقد خاف ولاة سمية، ولا عبد الله ابن قيس وقد فر من بني أمية. إلا دون وجدي غداة كففت دمعي المتسرب، ووقفت كناظر مع الصبح في أعقاب نجم مغرب، فلله أيامنا الموشية، وقوفنا بالسراة عشية، وانتشائي من مقلة وكأس، واجتلائي شارب زبرجد أو عذار آس، والتماحي خدّاً كمورد الشقيق، واستصباحي بثغر كالدر في حق من العقيق، زمان صحونا إلا من المدام، وسلونا إلا عن الندام، وتفرعنا إلا من الندى، وتورعنا إلا من معاقبة العدى، وأدرنا ذهبا سائلة، ونظرنا رقبا شائلة، وبتنا لم نرم السهر، ولم نشم برقا إلا الكأس والزهر، والشمل جامع، والدهر مجيب وسامع، فالآن منازلي أكوار، ومواصلي بطل مغوار، فتلك تضنيني بطول السفار، وذاك ينتضيني للملمات انتضاء الشفار، فأنا بين عر يعيي، وذعر يميت ويحيي، ونوى لا يقال لعاثرها لعا، وهوى قد حشا بالجوى أضلعا، والله يريح مما عرى، ويمن بنظره إلى قرقرى.

وله إلى بعض إخوانه يوصيه بكتب أودعها عنده ويصف هرا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015