وقال: أنشدني أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي بدمشق أنشدني أبو المسك كافور لنفسه:
باء بخاري أبداً زائدهْ ... والأَلِفُ الأُخْرَى بلا فائدهْ
فهي خرا بَحْتٌ وسكَّانها ... آبدةٌ ما مثلها آبده
وقال قرأت في كتاب سر السرور لصديقنا أبي العلاء محمد بن محمود النيسابوري قاضي غزنة لكافور، هذا:
هل من لواعجِ هذا البَيْنِ من جارِ ... لمستهامٍ عميدٍ دَمْعُهُ جارِ
أَم هل على فَتَكاتِ الشوقِ من عَضُدٍ ... يُجِيرُني من يدِ الضرغامةِ الضَّارِي
فيضُ الدموعِ ونيرانُ الضلوعِ معاً ... يا قومُ كيف اجتماعُ الماءِ والنارِ
وأنشد له:
راحَ الفراقُ بما لا أَرْتَضِي وَغَدا ... وجارَ حُكْمُ الهوى فيما قَضَى وَعَدا
فارقْتُكم فُرْقَة لا عُدْتُ أّذكُرُها ... فإِن رجعتُ فلا فارقتكمْ أَبَدا
هذا كافور أبو المسك، كلامه أطيب رائحة من المسك، خصيٌّ خص بما لم يخص به الفحول، خادمٌ خدمته لفضله الألباب والعقول: نظمه تبر المحك، وإبريز السبك، أوتي المعرفة، حتى نسج البرود المفوفة، وأنشأ الحدائق المزخرفة، ونظم اللآلىء المفوفة.
أحد كتاب مصر، من الطبقة الأولى. له في ناعورة:
ناعورةٌ تَحْسِبُ في صَوْتِهَا ... مُتَيَّماً يَشْكُو إِلى زائرِ
كأنَّما كِيزَانُهَا عُصْبَةٌ ... صِيبُوا بِرَيْبِ الزَّمَنِ الوافر
قد مُنِعُوا أن يَلْتَقُوا فاغْتَدَا ... أَوَّلُهُمْ يَبْكي على الآخِر
قمر الدولة
أبو طاهر جعفر بن رواس المصري
كان عمره بالعراق قمرٌ قمر القلوب بظرافته، وسلب العقول بلطافته، نديمٌ عديم النظير في فنونه، ظريف طريف الصنعة في مجونه، اجتمعت فيه أسباب المنادمة، وكان يقرع أبواب المسالمة، يضرب بالعود وأين إسحاق وإبراهيم، فكلاهما لو كان في عصره كاد به يهيم، ويغني ولا مثله غناء معبد والغريض، فلو رأياه لعثرا في ميدانه الطويل العريض، ويلعب بالشطرنج وأين اللجلاج، لو عاش لقتله منه الغيظ واللجاج، كان نديم قسيم الدولة سنقر البرسقي، كل يوم لقبوله عنده يرتفع ويرتقي. وهو ينظم أبياتاً مطبوعة، وينثر كلماتٍ مسجوعة، وهو صاحب نوادر ومضاحك، ولسانٌ كحد السيف باتك، يلعب ويطرب، ويشعر ويكتب، ويغني بالعود ويضرب، ويسقي ويشرب، وإن لعب بالشطرنج فاق، أو بالنرد راق، أو غنى شاق، أو ضرب بالبربط انشرح القلب الذي ضاق.
أنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي الفضل الخازن ببغداد: أنشدني قمر الدولة ابن دواس لنفسه في ابن أفلح الشاعر، وكان ابن أفلح أسود مشوه الخلقة:
هذا ابنُ أَفْلَحَ كاتبٌ ... مُتَفَرِّدٌ بصفاتِهِ
أَقْلاَمُهُ من غَيْرِهِ ... ودواتُهُ من ذاته
وأنشدني له فيه:
أبا قاسمٍ وَيْكَ دَعْ ذا الفَعَالَ ... هذا التكبُّرُ لا يَصْلُحُ
أتزعمُ أَنَّكَ من أَفْلَحٍ ... فَهَبْكَ صَدَقْتَ فمن أَفْلَحُ
وأنشدني له فيه:
يا ذا الذي أُقْطِعَ هَجْوَ الوَرَى ... كأنما أُعْطِي به رُوزَا
إن كان إقطاعُكَ ذا صادقاً ... فاهجُ لنا الخادمَ بَهْرُوزَا
وأنشدني له أيضاً:
أراني الله نعمته سريعاً ... تزولُ وَعَيْشُهُ عَنْهُ يُوَلِّي
وما مِنْ بُغْضِهِ أَدْعُو عليه ... ولكنْ أَشْتَهِيهِ يكونُ مِثْلي
وقال أبو المعالي الكتبي: أنشدني ابن أفلح الشاعر له:
لما رأيتُ المشيبَ في الشَّعَرِ الأسْوَدِ ... قد لاحَ صِحْتُ واحَزَنِي
هذا وحقِّ الإلهِ أَحْسَبُهُ ... أَوَّلَ خَيْطٍ سُدِّى مِنَ الكَفَنِ
وزارني للهناء بشهر رمضان من سنة أربع وخمسين وخمسمائة في واسط الفقيه رضي الدين أبو العلاء محمد بن السوقي، وقال: حكى لي اليوم والدي شيخ الإسلام أبو جعفر أنه حضر قمر الدولة مجلس مؤتمن الدولة ابن صدقة، وكان ناظرَ الخواص وغيرها بواسط، والناس يهنئونه بشهر رمضان، فقال قمر الدولة: