أنه رآه باليمن وكان تاجراً وغرق في البحر، وقرأت فيما صنفه السمعاني أن سليمان بن الفياض تلميذ الحكيم أمية بن أبي الصلت المصري، وعليه قرأ من علومهم المهجورة، وله شعرٌ يدخل في الأذن، بغير إذن، ونثرٌ كالروض ضم إلى غدير، والمسك شيب بعبير، وذكر أنه كان بعزته سنة ست عشرة وخمسمائة قال: ومن شعر سليمان فيما ذكره صديقنا أبو العلاء محمد بن محمود النيسابوري رحمه الله.
باتت عليَّ مِنَ الأَراكِ تَنُوحُ ... تُخْفِي الصبابةَ مَرَّةً وَتَبُوحُ
قُمْرِيَّةٌ تَغْدُو تُحَاضِرُ بَثَّها ... وتُرِيحُ عازبةً أَوانَ تَرُوح
عجماءُ ما كادَتْ تُبينُ لسامعٍ ... ولها حديثٌ في الفُؤَادِ صحيح
عَجَباً لها تُبْكي الخليَّ وَجَفْنُهُ ... وهي السخيَّةُ بالدموع شَحِيحُ
أَمريضةَ الأَحْشَاءِ مِنْ فَرَقِ النوى ... مَهْلاً بِشَمْلِكِ إِنَّهُ لَصَحِيحُ
أَوَ ما رأيتِ تَجَلُّدِي وَأَنا الذي ... شَمْلِي على سَنَنِ الفراقِ طريح
تتقاذفُ الأيام بي فكأَنَّني ... لجسومِ أصحاب التناسخ روح
هذا البيت الأخير أحسن من الكل وما أظن أنه سبق إلى معناه. قال: وقال أبو الربيع سليمان في ابتداء قصيدةٍ يمدح بها القاضي الإمام علي البستي.
تَوَجَّعَتْ أَنْ رأَتْني ذاويَ الغُصُنِ ... وكم أَمَالَتْ صَبَا عَهْدِ الصِّبَا فَنَنِي
ماذا يَرِيبُكَ من نِضْوٍ جَنيبِ نَوًى ... لستَّةِ البين مطروحٍ على سَنَنِ
رمى به الغربُ عن قوس النوى عَرَضاً ... بالشرقِ أعنى على المَهْرِيَّةِ الهُجُنِ
أرضٌ سَحَبْتُ وأترابي تمائمنا ... طِفلاً وَجَرَّرْتُ فيها ناشئاً رَسَني
أَنَّى التفتُّ فكم روضٍ على نَهَرٍ ... أو استمعت فكم داعٍ على غُصُن
كم لي بظاهرِ ذاك الربعِ من فَرَحٍ ... ولي بباطنِ ذاك القاع من حَزَن
ولي بالأَّف هاتيك المنازل من ... إلف وسكان تلك الدار من سكن
ما اخترتُ قطُّ على عهدي بقربهمُ ... حظًّا ولا بِعْتُ يوماً منه بالزمن
قال: وقال سليمان يتقاضى مالاً على بعضهم وقد شمر ذيله للسفر:
فديتك زُمَّتْ للرحيل ركابي ... وَشُدَّتْ على حُدْب المطيّ عِيَابي
ولم تبق إلا وقفة لمودِّع ... فرأْيكَ في باقي يسيرِ حسابي
قال وكتب سليمان إلى القاضي أبي العلاء الغزنوي في رقعة من لوهور:
الغزنويون إخوانٌ لزائرهم ... ما دام منهم إزاءَ السمع والبصرِ
قال: ومن منثور كلامه ما كتب إلى بعض الفلاسفة بالهند يستأذنه في المصير إليه: ماذا عسى أن يصف من شوقه مشتاقٌ، يقدم قدماً ويؤخر أخرى، بين أمر أمير الشوق ونهي نهى الهيبة. فإن رأيت أن تبله من غلله وتبله من علله بالإذن له، فما أولاك به، وأحوجه إليك، والله المسئول في بلوغ المأمول بك ولك.
أنشدني الفقيه أبو بكر بن أبي القاسم بن خلف التميمي الإسكندراني بمكة، حرسها الله تعالى، حذاء الكعبة المعظمة في أواخر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة للشريف أبي الحسن الحسني الإسكندراني.
فإني شِبْهُ ظمآنٍ بِبيدٍ ... رَأَى الأنعامَ ظنَّ بها شرابا
فبدَّدَ ماءَه وأتى إليها ... فلما جاءَها وَجَدَ السرابا
القائد أبو طاهر إسماعيل بن محمد المعروف ب
ابن مكنسة
من شعراء مصر ورد علينا واسطاً من شيراز في سنة خمس وخمسين وخمسمائة رجل شريف من مصر، يقال له فخر العرب أحمد بن حيدرة الحسني الزيدي المدني الأصل المصري المولد، وكان رائضاً حسناً وله شعر قريب، فلما لم ينفق شعره عاد يروض الخيل، وكان يروض فرساً لي، ويحضر عندي، وسألته عن شعراء مصر ومن يروي شعره منهم، فذكر من جملتهم القائد ابن مكنسة. وذكر أنه كان شيخاً مسناً وهجره الأفضل لكونه رثى نصرانياً بقصيدة منها:
طُوِيتْ سماءُ المكرما ... تِ وكوِّرَتْ شمسُ المديحِ