كم كتابٍ مثلِ الكتائبِ أَغْنَى ... عنهمُ في العِدا غَنَاءَ الحسام
كم بقَوْلٍ أَقَلْتُ من عَثَراتٍ ... كم كِلامٍ أَسَوْتُها بكَلاَمِ
منها:
وَغْدُهُمْ وَهْوَ رِفْدُهُمْ كَسَرَابٍ ... أو خيالٍ من كاذبِ الأحلامِ
وإذا نَكْبَةٌ عَرَتْهُمْ وحَلَّتْ ... بذُرَاهُمْ من الخُطوبِ الجِسَام
فَهْيَ فَوْقي تَحْتي يَميني يَسَاري ... وَوَرائي من هَوْلها وأَمامي
وإذا الأَمْنُ عَمَّهُمْ واستَقَرُّوا ... خِفْتُ منهمْ بوادِرَ الإنتقام
فأنا الدهرَ في عَذَابٍ إذا ما ... سَخَطوا أوْ رَضُوا عن الأيَّام
ليسَ دنياهمُ لغيرِ عبيدٍ ... أَدنياءِ النفوسِ من آلِ حام
حكَّمُوهُمْ فيها وفيهمْ فعادوا ... كلُّ رأسٍ منهم بغيرِ زِمام
وتولَّوْا تدبيرَها وهي كالشمسِ ... ضياءً فأصبَحَتْ كالظلام
فَدَعُونا لا تأخُذُوا ما بأيدينا ... وَرُوحُوا يا ويحكمْ بسلام
إنّ في الأرض غيرَ أُسْوانَ فاهْرَبْ ... من أَذاهُمْ إلى بلادِ الشام
فالرحيلَ الرحيلَ عنهم سريعاً ... فهمُ من لئامِ هذا الأَنام
وله من قصيدة:
قامَ بعذري له عذارٌ ... أَشْبَهُ شيءٍ ببعضِ نُونِ
انْظُرْ إِلى شَخْصِهِ تشاهِدْ ... محاسناً جَمَّةَ الفُتُونِ
وله من قصيدة يطلب فروة:
مليكٌ جميلُ الخُلْقِ والخَلْقِ لم يَزَلْ ... يروعكَ في جِدٍ، يَرُوقُكَ في لَهْوِ
يَمُنُّ بلا مَنٍ وَيُعْطِي تَعَمُّداً ... إذا غَيْرُهُ أعطاكَ عن خَطأَ السَّهْوِ
منها:
أَيَا مَلِكاً يُعْطِي على كلِّ حالةٍ ... ويُعْطي أَخُوهُ الغيثُ في الغَيْمِ لا الصَّحْوِ
وما أَبْتَغِي مالاً، ولو شئتُ لم يَفُتْ ... لديك، وهذا ليسَ قَصْدِي ولا نَحْوِي
ولكنْ لِفَضْلِ البَرْدِ في الجسم سَوْرَةٌ ... وليس بِوَاقٍ من أَذاه سوى الفَرْوِ
فجودُكَ يَكْسُوني وَيُرْوِي من الظَّمَا ... ومَدْحي لما أَوْلَيْتُ من حَسَنٍ يَرْوِي
وما أَنا ممن يَجْحَدُ العُرْفَ رَبَّهُ ... ويسترُ مشهورَ الصنيعةِ أَوْ يَزْوي
وظاهرُ أَمْرِيَ في الولاءِ كباطني ... وكم ذي نِفَاقٍ مُعْلِنٍ ضِدَّ ما يَنْوي
ومنها:
وقافيةٍ لَيْسَتْ تفارقُ مَرْكَزاً ... وتقطعُ آفاق البلادِ بلا عَدْوِ
لها رَوْنَقٌ من قبل تلحينِ وَزْنِهَا ... إِذا كان بعضُ الشعرِ يَحْسُنُ بالحَدْوِ
أَمادِحَهُ استيقظْ فشعرُكَ وافدٌ ... على لُغَوِيٍ شاعرٍ ناقدٍ نَحْوِي
فمن كان في قولٍ مُجيداً وقاصداً ... مجِيداً به فَلْيَحْذُ في نَظْمِهِ حَذْوِي
وله
كم قد تَصَبَّرْتُ عَنْهُ ... فما أَطَقْتُ سُلُوَّهْ
أَرَى الصَّلاحَ لقلبي ... إِذا نَظرْتُ دُنُوَّهْ
وله
إِنّ نهاري من بَعْدِ فُرْقَتِهِ ... كالليلِ هذا بذاكَ مُشْتَبِهُ
يقطعُ هذين مُدْنَفٌ كَلِفٌ ... يكابِدُ الوَجْدَ وَهْوَ مُنْتَبِهُ
أبو محمد هبة الله بن علي بن عرام
السديد
ذكر قاضي أسوان أنه كان أشعر من ابن عمه، وكان قوياً في فهمه، جرياً في نظمه، ماضياً في عزمه، راضياً بحزمه، وتوفي سنة خمسين وخمسمائة، ثم أهدى لي فخر الدولة بن الزبير ديوان المذكور، فحصلت على الدر المنظوم والمنثور، وقلدت الخريدة منه كل قلادة، تزين كل غادة، وأوردت في الجريدة من شعره ما يشعر بإفادة وإجادة. وهو ديوانٌ نقحه لنفسه، وصححه بحدسه، وقفى قوافيه على ترتيب الحروف، وهي للمعاني الطريفة والحكم الظريفة كالظروف.
فمن ذلك قوله:
بحقٍ وقد صُغْتُ فيك المديحَ ... جَعَلْتَ القبيحَ عَلَيْهِ جَزَائ