ومن حوله من آلِ حامٍ عِصابةٌ ... أسودُ وغىً فوق السّلاهبِ سودُ
إذا أضرموا نارَ الرّدى بحِرابهمْ ... فأرواحُ أبطالِ الكُماةِ وَقودُ
هم الجُنْدُ إن ناداهمُ لمُلمّةٍ ... أجابته منهم عُدّةٌ وعَديدُ
وللصُّبْحِ من نور الغَزالةِ شاهدٌ ... وللّيْلِ من ضوءِ النّجومِ شهودُ
أيا ملِكاً لولا عوارفُ كفِّه ... لما كان يُدْعى في البسيطة جودُ
لك اللهُ نهْنِهْ طِرْفَ عزمِك واتّئِدْ ... فما نِلتَهُ للواصفين يَؤودُ
بلغتَ الذي لا يبلغُ الفِكرُ شأوَه ... ولا للتّمنّي في مداهُ مَزيدُ
تحيّرتِ الأفهامُ فيك فكُنْ لها ... دليلاً وقُلْ للمدحِ أين تُريدُ
أتبغي صعوداً يُعجِزُ الشّمسَ بعضُه ... أمن فوقِ هامِ النّيّرَينِ صَعيدُ
لك الدّهرُ والأقدارُ والعصرُ والورى ... وكلُّ مليكٍ في البلادِ عبيدُ
وكم لك في الأعناقِ منهم صنائعٌ ... بها تتباهى ثُغْرةٌ ووَريدُ
فلو جحَدوا حسنَ الصّنيعِ لأذْعنت ... بشكرك منهم أعظُمٌ وجُلودُ
إليك رمت بي العيسُ تنفُخُ في البُرى ... وقد شفَعت حسنَ الرّجاء قَصيدُ
وقد رَجاني حُسْنُ ظنٍّ ظننتُه ... وأيقظَ آمالي وهنّ رقودُ
وشعرٌ من السِّحر الحلال نظمتُه ... فريدَ معانٍ قد نماه فريدُ
وحسبيَ من جَدْوى يمينكِ مِنحةٌ ... تخبّرُ عن نُعماك حينَ أعودُ
عوارفُ يُعشي ناظرَ الشّمس نورُها ... ويُظهِرُها بالرّغم منه حسودُ
وجودُك أدرى بالذي أنا طالبٌ ... وفضلك يا خيرَ الملوكِ أريدُ
وما الحمدُ إلا حُلةُ الجود وشيُها ... مقيمٌ على مرّ الزّمانِ جديدُ
وخيرُ ثيابِ المرء ذكرٌ مخلّدٌ ... ومدحٌ ضفتْ منه عليه بُرودُ
خلالُك تُملي ما أقول فليس لي ... من الشّعرِ إلا وَقفةٌ ونشيدُ
أين هذا النّفَسُ القوي من ذاك الهوس الغويّ؟ طوّحت هذه الدّالية بالطائيّة، واعتذرت عن الزّاييّة. لعل شيطانه باليمن عنا له فأعانه، أو كرَمُ ممدوحِه أحيا باعثَه فأذاب جُلمودَ خاطرِه وألانَه. أين هذه الصّنعة من تلك الشُّنعة؟ وهذه السِّمةُ من تلك الوصْمة؟ وهذه القوة من ذلك الوهْي؟ وهذا النّسيمُ من ذاك الهواء؟ وهذا الشعاعُ من ذلك الهَباء؟ وهذا البَهاء من ذلك الهُذاء؟ وهذه الغُررُ من تلك العُرَر؟ وهذا الصفو من ذلك الكدر؟ وتمام القصيدة:
تعلّمُني أفعالُ مجدِك وصفَها ... وتُدني إليّ القولَ وهْوَ بعيدُ
فخُذْ مِدَحاً يستغرقُ الحمدَ بعضُها ... تَبيدُ الليالي وهْو ليس يَبيدُ
وذكر أنّ له في الأمير المفضّل المكين سيف الدولة أبي المكارم بن أبي البركات بن الوَليد الحِميَري، وهو من أولاد التّبابعة باليَمن، سنة خمس وخمس مئة، قصيدة؛ ويصف موضعاً له ذا جبال وأنهار، وأشجار وأزهار:
أعِيابُ داريٍّ تُفضُّ وتُفتَقُ ... أم ذي الخَميلةُ عرْفُها يُتنَشُّقُ
خلعَ العِهادُ على المعاهدِ حُلّةً ... يُزْهى بسُندُسِ نَورِها الإستبرَقُ
طلّت دموعُ السُّحْبِ فوقَ طُلولها ... فرُبوعُها فيها الرّبيعُ المؤنِقُ
وتفتّحت حدَقُ الرّياضِ نواضراً ... بنواظر نحو السّماءِ تحدِّقُ
فإذا تعرّضَ للبسيطةِ عارضٌ ... فالنّجمُ تحمِلُه لريّ أسوُقُ
ومنها:
وكأنّما الرّبَواتُ وهْي نواضرٌ ... خيَمٌ يحُفُّ بها غديرٌ متْأقُ
والماء يبدرُ في الوقائعِ لامعاً ... كالبحرِ مع نورِ الغزالةِ يُشرِقُ
فإذا تخلّل في الخمائل خِلتَهُ ... صِلاً يحاذرُ وقْع نصْلٍ يمرُقُ