وهذه القصيدة جيّدة بالإضافة الى شعره، وليست من أسلوبه. فما أدري كيف خبَرُه: أتقوّلها، أم انتحلها، أم نقلَها، أم أثّرت فيه تُربةُ اليمن، فأتى بالنّظم الحسن؟ وأرى يمانيّاته كاليمانيّات المطبوعة المصقولة عضْباً، وكاليمانيّات الموشيّة المحبّرة عصْباً. ما لَه بزَبيد زبد، بل كلّه دُررٌ وزُبَد. وجد في صنعاء الصّنيعة فأجاد الصّنعة، وأتاه اليُمْنُ باليَمن فنال شعره برفعته الرّفعة، وعرَقَهُ العِراق، فمحَق بدرَ خاطِره المَحاقُ، وما أراه فارساً بفارس، ولا جالياً لعرائس.

ونَوْرُ أقاحٍ أم ثُغورٌ تبسّمتْ ... وذيّاكَ وردٌ أم حكَتْهُ خُدودُ

وهنّ ظِباءٌ بالصّرائم سُنّحٌ ... لنا أم ربيباتُ المقاصرِ غيدُ

بدَرْن كأمثال البُدورِ تؤمّهُمْ ... خدلّجةٌ ريّا المعاصِم رودُ

عطَتْ فذكرنا مُطفِلَ الرّملِ إذ عطَتْ ... وجال لها طرْفٌ وأتلعَ جيدُ

فلم يرَ ذو عينَيْنِ من قبل شخصِها ... مَهاةَ صريمٍ للأسودِ تصيدُ

وبين الثّنايا واللِثاثِ مُجاجةٌ ... بها ضَربٌ حُلوُ المَذاقِ بُرودُ

أقول لسعدٍ والرِّكابُ سوانحٌ ... وجيشُ الكرى للمُقلتَيْن يَرودُ

ترفّقْ وقِفْ بي في اللِّوى عُمرَ ساعة ... فإنّك إنْ ساعَدْتَني لسَعيدُ

لأنشُدَ قلباً ضلّ بالرّملِ غُدوةً ... ولم تُرْعَ فيه ذمّةٌ وعهودُ

ومنها:

طوت لوعتي ثوبَ الصّبابةِ في الحشى ... فوجْدي على مرِّ الزّمان يزيدُ

وأذكى حَمامُ الأيكتيْن بنوْحِه ... لظَى كمَدٍ ما الزّندُ منه صَلودُ

أيا أيكتَيْ وادي الغَضَى هل زمانُنا ... وعيشٌ مضى في ظلّكُنّ يعودُ

أحِنُّ إليكم حنّةَ النّيبِ شاقَها ... الى مورِدِ جَمِّ النُّقاخِ وُرودُ

وأصبو كما يصبو الى الجُودِ فاتكٌ ... وأُزْهى كأنّي دَستُهُ وزَبيدُ

مليكٌ عطايا كفِّه تُبدي النّدى ... لمن أمّهُ مُستَرْفِداً وتُعيدُ

فتىً مهّدَ الأقطار وهْوَ بمهدِه ... ودانت له الأقدارُ وهْوَ وليدُ

ومنها:

يبشّرُ راجي عُرفِه طيبُ عَرفِه ... ويُعطي ولو أنّ الأنامَ وفودُ

له حسَبٌ صافي الأديم من الخَنا ... حمَتْ عنه آباءٌ له وجُدودُ

ومجدٌ تَليدٌ راسياتٌ أصولُه ... بناه طَريفٌ من نَدَىً وتليدُ

يلوحُ لنا في مطلَعِ الدّسْتِ وجهُه ... كما لاح من ضوء الصّبحِ عمودُ

فما النّيلُ إن جاشت غواربُ مائِهِ ... ومدّتْهُ من بعدِ المُدودِ مُدودُ

وعمّمَ هاماتِ التِّلاعِ بمُزبِدٍ ... به كلُّ ساقٍ لا يُطاقُ حَصيدُ

بأغزرَ من تاج المفاخرِ راحةً ... وأندى بناناً منهُ حينَ يجودُ

ولا مُخدِرٌ في أرض خفّان مُشبِلٌ ... أكولٌ لأشلاءِ الرّجالِ صَيودُ

له كلّ يومٍ من غَريضِ فَريسةٍ ... قِرًى تغتذي منه لدَيْهِ أسودُ

بأشجعَ منه والقنا تقرَعُ القنا ... وللبيض من هامِ الكُماةِ غُمودُ

تنافَرَ عنه الصّيدُ خوفَ لقائِه ... تنافُرَ سرْحٍ فيه يعبَثُ سيدُ

ويا رُبّ يومٍ قد ترامت الى الوغى ... به شُزَّبٌ قُبُّ الأياطِلِ قودُ

كسا ركضُها نورَ الصّباحِ مُلاءةً ... من النّقْع تُخفي شمسَهُ وتذودُ

يقودُ بها جيشَيْنِ في الأرض واحدٌ ... يسيرُ وهذا في السّماءِ يرودُ

إذا خفَقَتْ هذي لغزْوِ قبيلةٍ ... خفَقْن لتلكَ الحائماتِ بنودُ

وشُهْب من البيضِ الرّقاقِ متى هوتْ ... هوَى طامعٌ طاغٍ وخرَّ مريدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015