فإِذا صَبَرْتُ فَقَدْتُ مِثْلِيَ صابراً ... وَإذا بَكَيْتُ وَجَدْتُ مَنْ يَبكي مَعي
قَدْ غَضَّ يَوْمُكَ ناظِري بَلْ فَضَّ فَقْ ... دُكَ أَضْلُعي وَأَقَضَّ بُعْدُكَ مَضْجَعي
أَخْضَعْتَني لِلنّائِباتِ وَمَنْ يُصَبْ ... يَوْماً بِمِثِلَك يَسْتَذِلَّ وَيَخْضَعِ
وَأَهانَ خطَبْكُ ما بِقَلْبي مِنْ جَوًى ... كالسَّيْلِ طَمَّ عَلَى الْغَديرِ الْمُتَرِع
يَا قُولُ ما خانَ الْبَقاءُ وَإِنَّما ... صُرِعَ الزَّمانُ غَداةَ ذاكَ الْمْصَرِع
مَا كُنْتُ خائِفِهَا عَلَيْكَ جِنَايَةً ... لَوْ كَانَ هذا الدَّهْرُ يَعْقِلُ أَوْ يَعي
صُلْ بَعْدَها يَا دَهْرُ أَوْ فَاكْفُفْ وَخُذْمَنْ شِئْتَ يَا صَرْفَ الْمَنِيَّةِ أَوْ دَعِ
قَدْ بَانَ بِالْمَعْروفِ أَشْجى بَائِنٍ ... وَنَعى إلَيْنا الْجُودُ أَعْلى مَنْ نُعي
غَاضَ الْحِمامُ بِزاخِرٍ مُتَدَفِّقٍ ... وَهَوى الْحُسامُ بِبِاذِخٍ مُتَمَنِّعِ
مِنْ دَوْحَةِ الْحَسَبِ الْعَلِيِّ المُنْتَميوَسُلالَةِ الْكَرَمِ الْغَزيرِ المَنْبَعِ
إِنْ أَظْلَمَتْ تِلْكَ السَّماءُ فَقَدْ خَلامِنْ بَدْرِها الْأَبْهي مَكانُ المَطْلَعِ
أَوْ أَجْدَبَتْ تِلْكَ الرِّباعُ فَبَعْدَما ... وَدَعَّتْ تَوْديعَ الْغَمامِ المُقْلِعِ
أَعْزِزْ عَلَيَّ بِمِثْلِ فَقْدِكَ هالِكاً ... خَلَعَ الشَّبابَ وَبُرْدَهُ لمْ يَخْلَعِ
لوْ أُمْهِلَتْ تِلْكَ الشَّمائِلُ لمْ تَفُزْيَوْماً بِأَغْرَبَ مِنْ عُلاكَ وَأَبْدَعِ
قُلْ لي لأَيِّش فَضيَلةٍ لَمْ تُبْكِني ... إنْ كانَ قَلْبي ما بَكاكَ وَمَدَمْعَي
لِجَمالِكَ المَشْهِور أَمْ لِكماِلك المَذْ ... كُورِ أَمْ لِنَواِلكَ الْمُتَبِّرعِ
ما خالَفَ الإجْماعَ فيكَ مَقالتَي ... فَأُقيمَ بَيِّنَةً عَلَى ما أَدَّعي
أَيُضَيِّعُ الْفِتْيانُ عَهْدَكَ إنَّهُ ... ما كَانَ عِنْدَكَ عَهْدُهُمْ بِمُضَيَّعِ
قَدْ كُنْتَ أَمْرَعَهُمْ لِمُرتادِ النَّدى ... كَفَّاً وأَسْرَعَهُمْ إلى المُسْتَفْزِعِ
حَلِيَتْ مَجالِسُهُمْ بِذِكْرِكَ وَحْدَهُ ... وَعَطَلْنَ مِنْ ذاكَ الأبيِّ الأَرْوَعِ
وَالدَّهْرُ يَقْطَعُ بَعْدَ طُولِ تَواصُلٍ ... وَيَشُتِ بَعدَ تَلاؤُمٍ وَتَجَمُّعِ
قُبْحاً لِعَادِيَةٍ رَمَتْكَ فإَنَّها ... عَدَتِ الذَّليلَ إلى الأَعَزِّ الأَمْنَعِ
مَا كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ ضَيْماً وَاصِلٌ ... بِيَدِ الدَّنِيِّ إلى الشَّريفِ الأرْفَعِ
قَدَرٌ تَرَفَّعَ يَوْمَ رُزْئِكَ هَمُّهُ ... فَرَمى إلى الْغَرَضِ الْبَعيدِ المْنَزْعَ
كَيْفَ الْغِلابُ وَكَيْفَ بَطْشُكَ وَاحِداً ... فَرْداً وَأَنْتَ مِنَ الْعِدى في مَجْمَعِ
عَزَّ الدِّفاعُ وَما عَدِمْتَ مُدافِعاً ... لوْلا مَقادِرُ ما لَها مِنْ مَدْفَعِ
وَلَقْد لَقِيتَ الْمَوْتَ يَوْمَ لَقِيَتُه ... كَرَماً بِأَنْجَدَ مِنْهُ ثَمَّ وَأَشْجَعِ
عِفْتَ الدَّنِيَّةَ وَالْمَنِيَّةُ دُونَها ... فَشَرَعْتَ في حَدِّ الرِّماحِ الشُّرَّعِ
وَلوَ اَنكَّ اخْترْتَ الأَمانَ وَجَدْتَهُ ... أَنّى وَخَدُّ اللْيْثِ لَيْسَ بِأَضْرَعِ
مَنْ كانَ مِثْلَكَ لمْ يَمُتْ إلاّ لَقيً ... بَيْنَ الصَّوارِمِ وَالْقَنا الْمُتَقَطِّعِ
جَادَتْكَ واكِفَةُ الدُّموعِ وَلمْ تَكُنْ ... لَوْلاكَ مُخْجِلَةَ الْغُيومِ الْهُمَّع
وَبَكاكَ مُنْهَلُّ الْغَمامِ فَإِنَّهُ ... ما كانَ مِنْكَ إلى السَّماحِ بِأَسْرَعِ
وَتَعَهَّدَتْ مَغْناكَ سَارِيَةٌ مَتى ... تَذْهَبْ تَعُدْ وَمَتى تُفاِرقْ تَرْجِعِ