وَأَصْبَحَ مُخْضَرّاً بِسَيْبِكَ مُمْرِعاً ... جَنابي وَمَمْنوعاً بِسَيْفِكَ جانبي
وكلمته القافية في مدح أبق، التي عبارتها من عبرة الصب وأيام الصبا أرقٌ، ومعناها من سحر لحظ المحبوب أدق. قال مجد العرب العامري: قلت للرواية إذ أنشد البيت الأول: أين الشعر منه؟ فقال: هكذا سألني ابن الخياط عند إنشاده إياي، فقلت له: أنت أعرف. فقال: هو في العجز، قوله:
أعند القلوب دمٌ للحدق؟
وصدر البيت دخل في شفاعة هذا العجز المعجز، المعلم بالسحر المطرز، المفدي بالقلوب والأحداق، الشهي ولا تشهي المحب لذيذ العناق، ولشغفي بها نظمت على وزنها ورويها قصيدةً في المولى الوزير عون الدين - ضاعف الله اقتداره على إسداء الأيادي، وإرداء الأعادي - وما قصرت عن شأوها؛ لكن الفضل للمتقدم. وقد أوردتها في الموضع الذي أوردت شعري فيه وما سبق إلى بيتي مدحه في أبق في إعطاء صناعة التجنيس حقها، لما ملك رقها، واختراع معناهما البكر الذي لم يقرع شأوه بالافتراع، ولهذه القطعة قبولٌ من القلوب والأسماع، وهي:
سَلُوا سَيْفَ أَلْحاظِهِ الْمُمْتَشَقْ ... أَعِنْدَ الْقُلوبِ دَمٌ لِلْحَدَقْ؟
أَمَا مِنْ مُعينٍ وَلا عاذِرٍ ... إذا عَنُفَ الشَّوْقُ يَوْماً رَفَقْ!
تَجَلّى لَنا صارِمُ المُقْلَتَ ... يْنِ ماضي المُوَشَّحِ وَالمُنْتَطَقْ
مِنَ التُّرْكِ ما سَهْمُهُ إذْ رَمى ... بِأَفْتَكَ مِنْ طَرْفِهِ إذْ رَمَقْ
تَعَلَّقْتُهُ وَكَأَنَّ الْجَمالَ ... يُضاهي غَرامي بِه وَالْعَلَقْ
وَلَيَلَة وافَيْتُهُ زائِراً ... سَميرَ السُّهادِ ضَجيعَ الْقَلَقْ
كَأَنّي لِرِقْبَتِهِ حابِلٌ ... دَنَتْ أُمُّ خِشْفٍ لَهُ مِنْ وَهَقْ
دَعَتْني الْمَخافَةُ مِنْ فَتْكِهِ ... إلَيهِ وَكَمْ مُقْدِمٍ مِنْ فَرَقْ
وَقَدْ راضَتِ الْكأْسُ أَخْلاقَهُ ... وَوُقِّرَ بالسُّكْرِ مِنْهُ النَّزَقْ
وَحُقَّ الْعِناقُ فَقَبَّلْتُهُ ... شَهِيَّ الْمُقَبَّلِ وَالْمُعْتَنَقْ
وَباتَتْ ثَناياهُ عانِيَّةَ الْمَرا ... شِفِ دَارِيَّضةَ الُمْنَتَشَقْ
وَبِتُّ أُخالجُ شَكّي بِهِ ... أَزَوْرٌ طَرَا أَمْ خَيالٌ طَرَقْ
أُفَكِّر في الْهَجْرِ كَيْفَ انْقَضَى ... وَأَعْجَبُ لِلْوَصْلِ كَيْفَ اتَّفَقْ
فَلِلْحُبِّ ما عَزَّ مِنّي وَهانَ ... وَلِلْحُسْنِ ما جَلَّ مِنْهُ وَدَقّ
لَقَدْ أَبِقَ الْعُدْمُ مِنْ راحَتَيَّ ... لَمّا أَحَسَّ بِنُعْمى أَبَقْ
تَطاوَحَ يَهْرُبُ مِنْ جُودِهِ ... وَمَنْ أَمَّهُ السَّيْلُ خافَ الْغَرَقْ
وقصيدته في حسان بن مسمار بن سنانٍ، أحسن رونقاً من الإحسان، وأفتن للعقول من طرفٍ فاترٍ وسنان. ذكر الرواية أنه كان إذا قيل له: أي قصائدك تختارها؟ يقول: الرائية. وهي:
هِيَ الدِّيارُ فَعُجْ في رَسْمِها الْعاري ... إنْ كانَ يُغْنيكَ تَعْريجٌ عَلَى دارِ
إِنْ يَخْلُ طَرْفُكَ مِنْ سُكاّنهِا فَبِهاما يَمْلأُ الْقَلْبَ مِنْ شَوْقٍ وَتَذْكارِ
يا عَمْرُو ما وَقْفَةٌ في رَسْمِ مَنْزِلَةٍ ... أَثارَ شَوْقَكَ فيها مَحْوُ آثارِ
أَنْكَرْتَ فيها الْهَوى ثُمَّ اعْتَرَفْتَ بهِ ... وَما اعْتِرافُكَ إلاّ دَمْعُكَ الْجاري
تَشْجُو الدِّيارُ وَما يَشْجُو أَخا كَمَدٍ ... مِنَ الْهَوى مِثْلُ دارٍ ذاتِ إِقْفارِ
يا حَبَّذا مَنْزِلٌ بالسَّفْحِ مِنْ إضَمٍ ... وَدِمْنَةٌ بِلِوى خَبْتٍ وَتِعْشارِ
وَحَبَّذا أُصُلٌ يُمْسي يُجَرُّ بها ... ذَيْلُ النَّسيمِ عَلى مَيْثاءَ مِعْطارِ
لَوْ كُنْتُ ناسِيَ عَهْدٍ مِنْ تَقادُمِهِ ... نَسِيتُ فيها لُباناتي وَأَوْطاري