أَحلى الهوى ما تحلّه التهمُ ... باح به العاشقون أَو كتموا
أَغرى المحبين بالمحبة بالعَذْ ... لُ كِلام أَسماؤها كَلِمُ
سَعَوْا بنا، لا سعت بهم قدمُ ... فلا لنا أَصلحوا ولا لهمُ
ضرُّوا بِهجراننا وما انتفعوا ... وصدّعوا شملنا وما التأَموا
بالله يا هاجري بلا سببٍ ... إِلا لقال الوشاةُ أَو زعموا
بحقِّ مَنْ زان بالدّجى فلق الصّبح على الرمح إِنه قسمُ
وقال للماءِ قِفْ بوجنته ... فمازَج النار وهي تضطرمُ
هل قلتَ للطيف لا يعاودني ... بعدك، أَم قد وفى لك الحلمُ؟
فيك معانٍ لو أَنها جُمعت ... في الشمس لم يغش نورَها الظُّلَمُ
تمشي فتُردي القضيب من أَسفٍ ... وتكسِف البدر حين تبتسمُ
وتُخجِل الراحَ منك أَربعةٌ ... خدٌّ وثغرٌ ومُقلةٌ وفمُ
يا ربّ خُذْ لي من الوشاة إِذا ... قاموا وقمنا لديك نحتكمُ
واتفق انتزاح ابن منير من دمشق بسبب خوفه من رئيسها ابن الصوفي، ومقامه بشيزر عند بني منقذ. ووصل زين الدين ابن حليم إلى شيزر، فلقيه بها ورغبه في العود وخدمة معين الدين آتر الذي كان في الجود والحلم هامي الجود، سامي الطود. فلما فارقه كتب إلى ابن منير كتاباً يستنهضه إلى الرجوع ويستدعيه، ويذكر له مصلحته فيه، ويقول له لعلي أكون في إحضارك كآصف في إحضار عرش بلقيس، ويعدد له في الأوبة أسباب التأنيس، فكتب إليه ابن منير في جوابه كتاباً أملاه علي زين الدين ابن نجا الواعظ الدمشقي بمصر من حفظه وهو:
وَرَدَ الكتاب، فداه أَسود ناظرٍ ... عكفت ذخائِره عليه تبدّدُ
ليل من الأَلفاظ يشرق تحته ... فلق المعاني، فهو أَبيض أَسودُ
يفترّ عن دُرَرٍ تكاد عقودها ... من لين أَعطاف تحلّ وتعقدُ
سلام عرقوب عليك يا أشعب، وأن أعيا جوابك وأتعب، وحياك الله أيها المعصب، أنضيتنا جداً وأنت إلى السبق تلعب، أقسم بمفاتح الغيب، إنك مكبر شعيب، بلا ريب، أبن يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول، غالت دون ما تدعونا إليه غول، أنا والله أيها الصدر إلى ما تدعوني إليه من خدمة هذا المولى أحرص، وإلى اقتناء تلك اليتيمة أميل وعليها أغوص، وإن عز لقاؤها وأعوص، وما بعد العهد بعد مما كنت ألقيت إليك من أطراف الأعذار للتقلص عن خدمته، والتقمص للعزلة عن ناحيته، وإن جراحي إلى الآن لم تذق حلاوة الاندمال، وقروحها تزداد قرحاً مع الحل والترحال، وبين الجوانح من الأين، لما لقيت بدمشق من العين، ما لا يحله إلا عقد الكفن، ولا يرفعه حدثه إلا التيمم بصعيد المدفن. وسوى ذلك تصعد بسعادتك وتعاين، ما كان من أمر وما هو كائن، ويلقاك فلان وفقيهه ومهنان وتيهه، وزيزان ونبيهه، من كل ذي خلق ذميم، وخلق دميم، وأصل لئيم، وفرع زنيم، ووجه لطيم، وقفا كليم، وهلم جرا من عذاب أليم، وصراط في الود غير مستقيم، ومكاشر مجرمز للوثبة، ومعاشر متوقع للنكبة، ومضافر لكن للدهر عليك، ومدان لكن للشر إليك، وها وها والخطب أفدح، والسهب أفسح:
قُلتُ لقوم كووا بنارهمُ ... مثلي وصاروا طرائقاً قِددا
طيروا معي تسْعَدوا ولا تقعوا ... قوموا فإِنّ الشقيّ من قَعَدا
قالوا عَجِزنا عن أَن نفارقهم ... قلتُ فلن تفلحوا إِذاً أبدا
فحياتي يا حياتي إذا عاينت فخبرت، وباطنت فسبرت، وعرفت تأويل هذه الرؤيا، وجنيت زهرة هذه الريا، تصلي على الواصف الذي اقتصر ولم يجنف، وتترحم على من حرمه أولئك الأوغاد، ورود ذلك المراد، الذي هو أقصى المراد، وغاية المرتاد:
فإِنّ عظيمات الأُمور مَنوطةٌ ... بمُستودَعات في بُطون الأَساودِ