هذا يقوله الغزي وفي الكرام بقية، والأعراض من اللؤم نقية، وقد ظفر بحاجته من الممدوحين: كعمي العزيز بأصفهان، والصاحب مكرم بكرمان، والقاضي عماد الدين طاهر بشيراز، الذي أمن بجوده طارق الإعواز، وكانت جائزته للغزي وللقاضي الأرجاني وللسيد أبي الرضا وأمثالهم المعتبرين، لكل واحد ألف دينار أحمر على قصيدة واحدة. فما أقول أناف ي زماننا هذا، وقد عدمنا فيه من يفهم، فضلاً عمن ينعم. ولقد صدق الغزي في قوله:
قالوا: هجرتَ الشعر، قلتُ: ضرورةً ... باب الدواعي والبواعث مُغْلَقُ
خَلَتِ الديار فلا كريمٌ يُرتَجى ... منه النوال، ولا مليح يُعْشَق
ومن العجائب أنه لا يُشترى ... ويُخان فيه، مع الكساد، ويُسرق
الغزي حسن المغزى، وما يعز من المعاني الغر معنى إلا يعزى، يعنى بالمعنى ويحكم منه المبنى، ويودعه اللفظ إيداع الدر الصدف، والبدر السدف. فمن أفراد أبياته التي علت بها راياته، وبهرت آياته، ولم تملل منها غاياته، قوله:
مدحتُ الورى قبله كاذباً ... وما صدق الصبح حتى كَذَب
وقوله:
إذا قلّ عقل المرء قَلَّتْ همومه ... ومن لم يكن ذا مُقلةٍ كيف يرمَد
وقوله:
فقد تُصْقَل الضَّبّاتُ وهي كليلةٌ ... ويصدأ حَدُّ السيف وهو مُهَنَّد
وقوله:
تسمَّى بأسماء الشهور، فكَفُّه ... جُمادى، وما ضمّت عليه المحرّم
وردده في معرض أحسن منه، فقال:
أنت جُمادى إذا سُئلت ندىً ... ويوم تُدْعى إلى العلى رجبُ
وقوله:
لعلّ هدوءاً في التقلقل كامنٌ ... لأجل سكون الطفل حُرّكَ مَهْده
أعاد هذا المعنى في قصيدة أخرى:
سُكونٌ بِهزّ اليَعْمَلات اكتسبتُه ... كما سكَّن الأطفالَ هزُّ مُهودها
وقوله:
والناسُ أهدى في القبيح من القَطا ... وأضلُّ في الحُسنى من الغِربان
وهذه وأمثالها كثيرة في شعره، منيرة في تباشير فجره.
وقوله أيضاً في الشمع:
إني لأشكو خطوباً لا أُعيّنها ... ليبرأَ الناس من لومي ومن عَذَلي
كالشمع يبكي ولا يُدْرى أَعبرتُه ... من صحبة النار أم من فُرقة العسل
روى بعضهم من حُرقة النار أو من فرقة العسل محافظة على التجنيس اللفظي، وأنا أرويه صحبة النار للتطبيق المعنوي. وسمعت أكثر أشعاره من جماعة من الفضلاء كابن كاهويه وابن فضلويه وسيدنا عبد الرحيم بن الأخوة وغيرهم.
ومن جملة قصائده قصيدته التي أجاز بها المعري في كلمته:
هاتِ الحديث عن الزَّوْراء أوْ هِيتا ... وموقِدِ النار لا تكرى بِتَكْريتا
وقصيدة الغزي:
أَمِطْ عن الدُّرَرِ الزُّهر اليواقيتا ... واجعلْ لحجّ تلاقينا مواقيتا
فثغرُك اللؤلؤ المبيضّ لا الحجر ال ... مُسْودّ، لاثمه يطوي السَّباريتا
واللثم يُجْحف بالملثوم كرّته ... حاشا ثناياك من وَصْمٍ وَحُوشيتا
قابلتَ بالشَّنَب الأجفانَ مُبتسماً ... فطاح عن ناظريْك السحرُ منكوتا
فكان فوك اليدَ البيضاء جآء بها ... موسى، وجفناك هاروتاً وماروتا
جمعتَ ضدَّين كان الجمع بينهما ... لكلّ جمعٍ من الألباب تَشْتيتا
جسماً من الماء مشروباً بأعيننا ... يَضُمُّ قلباً من الأصلاد منحوتا
مِسْكاً حسبتُ فؤاداً صار فيك دماً ... فلا يغادَر مَسْحوقاً ومَفْتوتا
لو كان كلُّ دمٍ مِسْكاً لصاك بنا ... ما يخضِب السمرَ والبيض المصاليتا
كِباءُ ذكرك أذكى الطيبِ رائحةً ... سنا مُحَيّاكَ ردّ البدر مبهوتا
فَضَحْت بالجَيَدِ الغِزلان مُلْتفِتاً ... ولم تكن عن صِيال الأُسد مَلْفوتا
فهُنّ ينفِرن من خوف ومن وَجَلٍ ... لبعضهن ويسكنّ الأماريتا
عَذَرْتُ طيفك في هجري وقلتُ له ... لو اهتديت سبيلاً في الكرى جيتا
أنّى، ودونك من سمر القنا أَجَمٌ ... مَرَّ الشجاع بها فانصاع مسؤوتا