قائل: لعله منسوخ، وكيف ونحن على يقين مقطوع به من أن المخالف لمعهود الأصل هو الناسخ بلا شك ولا مرية عند الله تعالى، برهان ذلك ما قد ذكرناه آنفاً من ضمان الله تعالى حفظ الشريعة والذكر المنزل، فلو جاز أن يكون ناسخ من الدين مشكلاً بمنسوخ، حتى لا يدري الناسخ من المنسوخ أصلاً، لكان الدين غير محفوظ والذكر مضيعاً قد تعلقت الحامق هكذا فيه، وحاشا لله من هذا، وقد صح بيقين لا شك فيه نسخ الموافق لمعهود الأصل من النصين بورود النص الناقل عن تلك الحال، إذ ورد ذلك النص. فهذا يقين… ومدّعي خلاف هذا كاذب مقطوع بكذبه إذ لا برهان له على دعواه إلا الظن، والله تعالى يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1. فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فليس بصادقٍ أصلاً2.
ويجاب عن الثالث: بأن النبوة أمر في غاية الندرة، ونهاية العظمة، والعادة تحيل صدق مدعيها من غير معجزة دالة على صدقه، والطباع تستبعد وقوع مثل ذلك، لذا كان لا بد لمدعي الرسالة من معجزة دالة على صدقه، لأنه يخبرنا عن الله تعالى، أما من يخبرنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم،