خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة
الدكتور نور الدين عتر
وقع بين طوائف من الناس تطرف في حكم الحديث الأحادي الصحيح، وما يترتب على صحة الحديث من التزام، وذلك بسبب الغلو في المسألة قبولاً أو تحفظًا.
فقد غلا بعضهم في قبول الحديث حتى بدوا لكثير ممن قرأ كلامهم وكأنهم لا يرون أحدًا عاملاً بالحديث غيرهم، وإن ثمة إيحاءً في كلامهم بأن من أنكر حديثًا صحيحًا أو تأوله فقد استحق أن يحكم عليه بالخروج عن هذه الملة الحنيفية السمحة.
وفرط بعض آخر في حق الحديث الآحادي الصحيح حتى صار كأنه لا يعني شيئًا عنده، فإذا قيل له هذا واجب أمر به النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو سنة، أو ورد حديث يخبر بكذا بادر للقول: إنه خبر آحاد والعقيدة لا تثبت به عند العلماء؟! كذا. وقد درج هذا وذاك للأسف على لسان بعض الإسلاميين، ولعل بعضهم وهو كاتب أديب اجتماعي أثَّر أكثر من غيره في نشر هذه الفكرة الخاطئة عن حكم الحديث الآحادي الصحيح عند العلماء.
وهذا التناقض في طرفي الإفراط والتفريط يشوش كثيرًا من الناس، ويدعو أهل العلم والاختصاص في المسألة إلى بحث الموضوع بَحْثًا يلقي الضوء ساطعًا على هذه الاشتباهات، ليكون المثقف بصورة عامة والجامعي بصورة خاصة على بَيِّنَةٍ من الأمر، فيما يتعلق بحكم الحديث الآحادي الصحيح، وما يترتب عليه من الأحكام.
وألفت النظر إلى أمر آخر في تقديم هذا البحث يرجع إلى الناحية العلمية الموضوعية بخصوص هذا العلم العظيم علم الحديث، ذلك الأمر هو إبراز دقة المنهج العلمي لأصول هذا العلم، دقة تعتز بها هذه الأمة، حيث اختصت من بين سائر الأمم بإبداع هذا المنهج الدقيق المتكامل في فحص النقول والروايات الذي هو منهج علم مصطلح الحديث، أو علم الحديث (?).