حديث خديجة وورقة بن نوفل- فتور الوحي- إسلام أبي بكر- المسلمون الأولون- دعوة محمد أهله للإسلام- إغراء قريش شعراءها بمحمد- ذكر محمد آلهة قريش بالسوء- سفارة قريش إلى أبي طالب- موقف محمد من عمه- تعذيب قريش المسلمين- هجرة المسلمين للحبشة- إسلام عمر.
نام محمد وحدقت فيه خديجة وقد امتلأ قلبها إشفاقا وأملا لهذا الذي سمعت منه. فلمّا رأته استغرق في نوم مطمئن هادئ، تركته وخرجت تقلّب في نفسها هذا الذي هز قلبها وأثار هواجسها، وتفكّر في الغد ترجوه خيرا، وترجو أن يكون زوجها نبيّ هذه الأمة العربيّة التي غرقت في الضلال؛ يهديها دين الحقّ ويدلها على الصراط المستقيم. ولكنها، مع ذلك كانت تخشى هذا الغد أشد الخشية على هذا الزوج البار الوفي الحميم.
وطفقت تعرض أمام بصيرتها ما قص عليها، وتتخيل الملك الجميل الذي تعرض له في السماء بعد أن أوحى إليه كلمات ربه، والذي ملأ عليه الوجود كله حينما كان يراه أينما صرف وجهه، وتستعيد الكلمات التي تلا محمد بعد أن نقشت في صدره. جعلت تعرض ذلك كله أمام بصيرتها فتفتر شفتاها طورا عن ابتسامة الأمل، وتنكمش أساريرها طورا آخر خيفة ما قد يكون أصاب الأمين. ولم تطق البقاء في وحدتها طويلا، تنتقل من الأمل الحلو الباسم إلى الريبة والإشفاق المخوف، ففكرت بأن تفضي بما في نفسها إلى من تعرف فيه الحكمة ومحض النصيحة.
لذلك انطلقت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل؛ وكان كما قدّمنا، قد تنصّر وعرف الإنجيل ونقل بعضه إلى العربية. فلمّا أخبرته بما رأى محمد وسمع، وقصت عليه كل ما حدثها به، وذكرت له إشفاقها وأملها، أطرق مليّا ثم قال. قدّوس قدّوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت» . وعادت خديجة فألفت محمدا ما يزال نائما، فحدقت فيه وكلها الحب والإخلاص، وكلها الإشفاق والأمل. وفيما هو في هدأة نومه إذا به اهتز وثقل تنفسه وبلل العرق جبينه يقوم ليستمع إلى الملك يوحي إليه: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (?) .