الفصل الرّابع من الزواج إلى البعث

صفة محمد

صفة محمد- بناء المكيين الكعبة- حكم محمد بينهم في الحجر الأسود- حكماء قريش والوثنية- ابناء محمد وبناته- موت ابنائه- زواج بناته- ميل محمد للعزلة- تحنثه في حراء- الرؤيا الصادقة- أول الوحي.

تزوج محمد من خديجة بعد أن أصدقها عشرين بكرة. وانتقل إلى بيتها ليبدأ وإياها صفحة جديدة من صفحات الحياة، صفحة الزوجية والأبوّة، وليبادلها من جانبه حبّ شاب في الخامسة والعشرين لم يعرف نزوات الشباب ولا طيشه، ولا هو عرف هذا الحب الأهوج يبدأ كأنه الشعلة المتوهّجة لينطفئ من بعد ذلك سراجه، وليرزق منها البنين والبنات؛ فيحتسب ولديه القاسم وعبد الله الطاهر الطيب (?) بما يثير في نفسه لاعج الحزن والألم، وتبقى له بناته وهو بهنّ البر والشفقة، وهنّ له الإكرام والإعزاز الخالص.

صفة محمد

وكان محمد وسيم الطّلعة، ربعة في الرجال ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، ضخم الرأس، ذا شعر رجل شديد سواده، مبسوط الجبين فوق حاجبين سابغين منوّنين متّصلين، واسع العينين أدعجهما، تشوب بياضهما في الجوانب حمرة خفيفة وتزيد في قوة جاذبيتهما وذكاء نظرتهما أهداب طوال حوالك، مستوى الأنف دقيقه، مفلّج الأسنان، كثّ اللحية، طويل العنق جميله، عريض الصدر رحب الساحتين، أزهر اللون، ششن الكفين والقدمين (أي غليظهما) ، يسير ملقيا جسمه إلى الأمام مسرع الخطو ثابته، على ملامحه سيما التفكير والتأمل، وفي نظرته سلطان الآمر الذي يخضع الناس لأمره. فلا عجب وتلك صفته أن نجمع خديجة بين حبه والإذعان له، ولا عجب أن تعفيه من تدبير مالها لتقوم هي على هذا التدبير كدأبها من قبل، وأن تدع له ما شاء من فسحة الوقت ليفكر وليتأمل.

وأقام محمد وقد أغناه الله بزواج خديجة في ذروة من النسب وسعة من المال، وأهل مكة جميعا ينظرون إليه نظرة غبطة وإكبار. وكان في شغل عن نظرتهم بما أسبغه الله عليه من فضله، وبما يبشره به خصب خديجة من عقب صالح. لكن ذلك لم يصرفه عن الاختلاط بهم والأخذ معهم بنصيب في الحياة العامة على ما كان يفعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015