موقع مكة- إبراهيم وإسماعيل- قصة الذبح والفداء- زمزم- زواج إسماعيل من جرهم- بناء الكعبة- ولاية جرهم أمر مكة- قصي وأولاده- اجتماع أمر مكة لقصي القرشي- هاشم وعبد المطلب- وظائف مكة الزمنية والدينية- الحج إلى الكعبة- قصة أبرهة والفيل- عبد الله بن عبد المطلب- قصة فدائه.
موقع مكة:
في وسط طريق القوافل المحاذي للبحر الأحمر ما بين اليمن وفلسطين، تقوم عدّة سلاسل من الجبال تبعد نحو الثمانين كيلومترا من الشاطئ. وهي تحيط بواد غير فسيح، تكاد تحصره لولا منافذ ثلاثة، يصله أحدها بطريق اليمن، ويصله الثاني بطريق قريب من البحر الأحمر (بحر القلزم) عند مرفأ جدّه، ويصله الثالث بالطريق المؤدي إلى فلسطين. في هذا الوادي المحصور بين الجبال تقوم مكة. ومن العسير معرفة تاريخ قيامها. وأكثر الظن أنه يرجع إلى ألوف من السنين خلت. والثابت أن واديها اتّخذ من قبل أن تبني موئلا لراحة رجال القوافل، بسبب ما كان به من بعض العيون، وأن رجال القوافل هؤلاء كانوا يجعلون منها مضارب لخيامهم، سواء منهم القادمون من ناحية اليمن قاصدين فلسطين والقادمون من فلسطين متجهين إلى اليمن.
والراجح أن إسماعيل بن إبراهيم أوّل من اتخذها مقاما وسكنا، بعد أن كانت مجرد محلة للقوافل وسوقا للتجارة يقع فيها التبادل بين الآتين من جنوب الجزيرة والمنحدرين من شمالها.
وإذا كان إسماعيل أول من اتخذ مكة مقاما وسكنا فإن تاريخها فيما قبل ذلك غامض كل الغموض. وربما أمكن القول بأنها اتخذت مقاما للعبادة قبل أن يجيء إسماعيل إليها ويقيم بها. وقصة مجيئه إليها تدعونا إلى أن نلخّص قصة أبيه إبراهيم عليهما السلام. فقد ولد إبراهيم بالعراق لأب نجار كان يصنع الأصنام ويبيعها من قومه من يعبدونها. فلمّا شبّ إبراهيم ورأى الأصنام يصنعها أبوه، ثم رأى قومه من بعد ذلك كيف يعبدونها وكيف يخلعون على هذه القطع من الخشب التي مرّت بين يديه ويدي أبيه كل ذلك التقديس، ساوره الشك في أمرها، وسأل أباه كيف يعبدها وهي من صنع يده؟! وتحدث إبراهيم بذلك إلى الناس؛ فاهتم أبوه لأمره مخافة ما يجرّه من بوار تجارته. لكن إبراهيم كان يحترم عقله، ويريد أن يحمل الناس بالحجة على الاقتناع برأيه؛ فانتهز غفلة الناس فذهب إلى هذه الآلهة فكسرها إلا كبيرها، فلما جيء به على أعين الناس قيل له: