لا تختلف هذه الطبعة الثالثة عن الطبعة الثانية في شيء اللهم إلا في بعض ألفاظ غيّرت أو نقّحت لمزيد من الدقّة في الضبط العربي، أو شدة في الحرص على وضوح المقصود منها. وما حدث من ذلك قليل لا يكاد يحسه إلا من أراد الموازنة اللفظية بين الطبعتين. ولن يجد من يكلّف نفسه هذه المؤونة أي غناء فيها. ولم يكن الشعور بكمال الكتاب بعد طبعته الثانية هو الذي عدل بي عن تناول ما فيه بالتنقيح أو بالزيادة في هذه الطبعة الثالثة. فأنا لا أفتأ أكرر ما قلته، في مقدمة الطبعة الأولى، من أن هذا الكتاب لا يخرج عن أنه بداءة البحث من ناحية علمية إسلامية في موضوعه الجليل. ولكنني فصّلت كثيرا مما يتصل بهذا الموضوع في كتابي «في منزل الوحي» على أثر أدائي فريضة الحج وسيري في أثر الرسول بالحجاز وتهامة؛ فلم يكن لي أن أعود لأجمل هاهنا ما فصّلته هناك. ثم إنني شغلت بعد ظهور «في منزل الوحي» عن متابعة البحث في سيرة الرسول وتعاليمه وسيرة أصحابه وخلفائه، مما كنت قد شغلت به في السنوات الثماني الأخيرة، فلم تتح لي الفرصة ولم يتح لي من فسحة الوقت ما أفصّل به ما أجملت في خاتمة الطبعة الثانية. ولعل الله يوفقني فأعود من بعد إلى هذا التفصيل في كتاب مستقل. وأحسب القارئ يشاركني في هذا الدعاء بعد أن يتمّ تلاوة المبحثين اللذين يكوّنان هذه الخاتمة.
وإني ليسعدني أن أختم هذا التقديم للطبعة الثالثة بشكر الله على ما لقي هذا الكتاب من تقدير الذين اطّلعوا عليه من المسلمين وغير المسلمين، ومن تنويه طائفة من الكتّاب والمؤلفين في الشرق والغرب به في تقديم كتبهم وفي تضاعيف هذه الكتب. وأكبر أملي في وجهه الكريم أن ييسر لمتابعة هذا البحث من يصل به إلى غايته، ومن يخدم الحق بذلك خدمة كبرى.