وفي مقدّمة ما يجب علينا من ذلك، خدمة للحقيقة والإنسانية، أن نتعمق في دراسة سيرة النبي العربي تعمّقا يهدي الإنسانية طريقها إلى الحضارة التي تنشدها. والقرآن أصدق مرجع لهذه الدراسة؛ فهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل ولا تعلق به الريبة، وهو الكتاب الذي بقي ثلاثة عشر قرنا، وسيبقى أبد الدهر معجزة الحياة في طهارة نصوصه، مصدقا لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (?) ، كما كان وسيبقى معجزة محمد القائمة منذ أوحاه الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فكل ما تعلّق بسيرة محمد يجب أن يعرض على القرآن، فما وافقه كان حقّا، وما لم يوافقه لم يكن بحق. وقد حاولت من ذلك في هذا البحث البدائي جهد طاقتي. فلما عدت إليه بعد طبعة هذا الكتاب الأولى شكرت الله توفيقه ورجوته أن يهيء لمتابعة التعمق فيه تعمقا علميّا من يحبوه هدايته، ويمده بتسديده.
(رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) .