على الإخاء فيما فرضه القرآن من زكاة ومن صدقة، وأن يقدر أنها ليست اشتراكية تسود فيها طائفة طائفة أو تتحكم بها جماعة في جماعة.

فالحضارة التي صوّر القرآن لا تعرف سيادة ولا تحكما، بل أساسها الإخاء الصادق عن إيمان ثابت بهذا الإخاء؛ إيمان يجعل من التحدّث بنعمة الله إعطاء الفقير والبائس والمحروم ما يحتاجون إليه من غذاء ومأوى ودواء وتعليم وتهذيب، وإعطاءهم ذلك من غير منّ ولا أذى. بذلك يزول الشقاء ويتمّ الله نعمته على الناس وتسودهم السعادة.

والاشتراكية الإسلامية لا تقتضي إلغاء التملك إطلاقا، كما تقتضيه الاشتراكية الغربية. وقد أثبت الواقع في روسيا البلشفية وفي كل بلاد سادتها الاشتراكية، أن إلغاء التملك أمر غير ممكن. لكن المرافق العامّة يجب أن تكون ملكا عاما مشاعا بين الناس جميعا. وتحديد المرافق العامة متروك أمره للدولة.

ولذلك وقع الخلاف على هذا التحديد منذ الصدر الأول للإسلام؛ فكان من بين أصحاب النبيّ غلاة في الاشتراكية يجعلون كل ما خلق الله ملكا مشاعا ومرفقا عاما ولذلك يجعلون شأن الأرض وما تحتويه شأن الماء والهواء، لا يجوز تملك شيء منه. وإنما يقع التملك على الثمرات ينال منها كلّ على قدر سعيه ومجهوده. وكان منهم من لا يرون هذا الرأي، ويقولون بجواز تملك الأرض، ويعتبرونها من العروض التي يقع عليها التبادل.

قاعدة اشتراكية مقررة

على أن الإتفاق منعقد بينهم على قاعدة اشتراكية مقرّرة اليوم في أوروبا، تقضي بأنه يجب على كل إنسان أن يبذل للجماعة كل كفاياته، ويجب على الجماعة أن تبذل لكل فرد منها ما يسّدّ حاجاته فلكل مسلم حق في أن ينال من بيت مال المسلمين ما يكفل حاجاته وحاجات من يعول ما دام لا يجد عملا يرتزق منه، أو ما دام العمل الذي يزاوله غير كاف لرزقه ورزق عياله. وما دامت قواعد الخلق التي قرّر القرآن هي ما قدّمنا فلن يكذب أحد، ولن يزعم أحد أنه متعطل على حين هو في الحقيقة لا يريد أن يعمل، ولن يزعم أحد أنه لا يجد من عمله ما يكفيه على حين يدرّ عليه الكفاية. وقد كان أمراء المؤمنين في الصدر الأول يفرضون على أنفسهم أن يتفقدوا أمور المؤمنين ليبذلوا للمحتاج منهم حقه، وليدفعوا عنه عادية الحاجة.

الاشتراكية قوامها الإخاء

ومن ثمّ نرى الاشتراكية في الإسلام ليست اشتراكية المال وتوزيعه، وإنما هي اشتراكية عامة أساسها الإخاء في الحياة الروحية، وفي الحياة الخلقية وفي الحياة الاقتصادية. وإذا كان المرء لا يكمل إيمانه حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه، فالمرء لا يكمل إيمانه إذا لم يحضّ على طعام المسكين ولم ينفق للخير العام ممّا رزقه الله سرّا وعلانية. وكلما ازداد المرء إيثارا على نفسه كان أقرب إلى الله وأدنى إلى رضاه، وكانت نفسه أكثر طمأنينة وقلبه أشدّ غبطة. وإذا كان الله قد جعل الناس بعضهم فوق بعض درجات، وكان يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فإن الناس لا صلاح لهم إلا إذا وقّر صغيرهم كبيرهم، ورحم كبيرهم صغيرهم، وأعطى غنيّهم فقيرهم، ابتغاء وجه الله وشكرا لله وتحدّثا بنعمته.

ما أحسبنا في حاجة إلى ذكر ما جاء في القرآن من تفاصيل النظام الاقتصادي في المواريث والوصية والعقود والتجارة وما إليها. فمحاولة الإشارة أوجز الإشارة إلى ما جاء فيه من هذه الشئون الفقهية ومن الشئون الاجتماعية، تقتضي عدة فصول كهذا الفصل. وحسبنا أن نذكر أن ما ورد فيه من ذلك لم يرد إلى اليوم ما هو خير منه في أية شريعة من الشرائع. بل إن الإنسان لتأخذ منه الدهشة كل مأخذ حين يجد بعض تفاصيل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015