وكذلك خرج محمد من هذه الحياة الدنيا لم يترك شيئا من عرضها الزائل لأحد بعده؛ خرج منها كما دخل إليها وقد ترك فيها للناس هذا الدين القيّم، ومهّد فيها لهذه الحضارة الإسلامية الكبرى التي تفيّأ العالم ظلالها من قبل وسيتفيأ ظلالها من بعد، وأقرّ فيها التوحيد، وجعل فيها كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وقضى فيها على الوثنية في كل صورها ومظاهرها القضاء المبرم، ودعا الناس فيها أن يتعاونوا على البرّ والتقوى لا على الإثم والعدوان، وترك من بعده كتاب الله هدى للناس ورحمة، وكان فيها المثل الأسمى والأسوة الحسنة.
وكان من آخر ما ضربه للناس من الأمثلة أن قال للناس يوم كلّمهم أثناء مرضه. «أيها الناس من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد مني. ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه. ومن أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يخش الشحناء فهي ليست من شأني» . وادّعى عليه رجل ثلاثة دراهم فأعطاه عوضها. ثم ترك العالم بعد ذلك مخلفا هذا الميراث الروحي العظيم الذي لا يزال ينتشر في العالم حتى يتمّ الله كلمته، وينصر دينه على الدين كله ولو كره الكافرون.
صلى الله عليه وسلّم.