تفكيره في غزو الروم- جيش أسامة- بدء مرض النبي- ذهابه إلى مقابر المسلمين وصلاته على أهل أحد- شكواه من وجع رأسه- الحمى- أمره أبا بكر أن يصلي بالناس- صحو الموت- اختيار الرفيق الأعلى.
تمّت حجّة الوداع وآن لعشرات الألوف ممن صحبوا النّبي فيها أن يعودوا إلى ديارهم، فأنجد منهم أهل نجد، وأتهم أهل تهامة، وانحدر إلى الجنوب أهل اليمن وحضرموت وما حاذاها. وسار النبي وأصحابه ميممين المدينة حتى إذا بلغوها أقاموا بها في أمن من شبه الجزيرة كلها، وفي تفكير متصل من جانب محمد في أمر البلاد الخاضعة للروم والفرس بالشام ومصر والعراق. فهو قد أمن من ناحية شبه جزيرة العرب جمعاء بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجا، وبعد أن جعلت الوفود تقبل تترى إلى يثرب تعلن الطاعة وتتفيأ ظلالها تحت لواء الإسلام، وبعد أن انحاز العرب جميعا إليه في حجّة الوداع. وكيف لا يخلص ملوك العرب في ولائهم للنبيّ ولدينه ولم يبق لهم أحد ما أبقاه لهم النبيّ الأميّ من سلطان واستقلال ذاتي. أو لم يبق بدهان عامل فارس على أرض اليمن في ملكه حين أعلن بدهان إسلامه وحرص على وحدة العرب وألقى نير المجوس؟ ولم يكن ما يقوم به بعضهم في أنحاء من شبه الجزيرة من حركات تشبه الانتقاض ليستغرق من النبي شيئا من التفكير أو ليثير في نفسه شيئا من المخاوف، بعد أن انبسط سلطان الدين الجديد على كل الأنحاء، وعنت الوجوه للحيّ القيوم، وآمنت القلوب بالله الواحد القهار.
لذلك لم يثر قيام الذين قاموا إذ ذاك يدّعون النبوّة عناية محمد ولا اهتمامه. صحيح أن بعض القبائل القاصية عن مكة كانت تسرع، بعد الذي عرفت عن محمد ونجاح دعوته، إلى الإستماع لمدّعي النبوّة من أهل قبيلتهم، وتودّ لو يكون لها من الحظ ما أوتيت قريش، وأن هذه القبائل كانت لبعدها عن مقرّ الدين الجديد لا تعرف كل أمره. لكن الدعوة الحق إلى الله كانت قد تأصلت في بلاد العرب، فلم تكن مقاومتها أمرا يسيرا.
وما لاقى محمد في سبيل هذه الدعوة كان قد انتشر في الآفاق خبره، ولم يكن مستطاعا لغير ابن عبد الله احتماله. وكل إدّعاء أساسه البهتان لا مفرّ أن ينكشف سريعا بهتانه. فكل إدّعاء للنبوّة لم يكن مقدّرا له أي نجاح ذي بال. قام طليحة، زعيم بني أسد وأحد أشاوس العرب في الحرب ومن ذوي السلطان بنجد، وزعم