«أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه. تعلّمنّ أنّ كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة فلا يحلّ لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفسي منه، فلا تظلمنّ أنفسكم.
«اللهم هل بلغت!» .
كان النبي يقول هذا وربيعة يردّده من بعده مقطعا مقطعا، ويسأل الناس أثناء ذلك ليحتفظ بيقظة أذهانهم. فكان النبيّ يكلّفه أن يسألهم مثلا: إن رسول الله يقول. هل تدرون أي يوم هذا؟ فيقولون: يوم الحج الأكبر. فيقول النبي: قل لهم إن الله قد حرّم كلامه وقال: اللهم هل بلّغت، أجاب الناس من كل صوب. نعم. فقال: «اللهم اشهد» .
ولما أتم النبي خطابه نزل عن ناقته القصواء، وأقام حتى صلى الظهر والعصر ثم ركبها حتى الصّخرات، وهناك تلا عليه السلام على الناس قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (?) .
فلما سمعها أبو بكر بكى أن أحس أن النبي وقد تمت رسالته قد دنا يومه الذي يلقى فيه ربه.
وترك النبي عرفات وقضى ليله بالمزدلفة، ثم قام في الصباح فنزل بالمشعر الحرام؛ ثم ذهب إلى منى وألقى في طريقه إليها الجمرات، حتى إذا بلغ خيامه نحو ثلاثا وستين ناقة، واحدة عن كل سنة من سني حياته، ونحر عليّ ما بقي من الهدي المائة التي ساق النبي منذ خروجه من المدينة. ثم حلق النبيّ رأسه وأتم حجه. أتم هذا الحج الذي يسميه بعضهم حجّة الوداع، وآخرون حجّة البلاغ، وغيرهم حجّة الإسلام.
وهي في الحق ذلك كله؛ فقد كانت حجة الوداع، رأى فيها محمد مكة والبيت الحرام للمرة الأخيرة. وكانت حجة الإسلام، أكمل الله فيها للناس دينه وأتم عليهم نعمته. وكانت حجة البلاغ، أتم النبي فيها بلاغه للناس ما أمره الله ببلاغه. وما محمد إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون.