طلب الإعفاء من الصلاة ورفضه

وطلبت ثقيف إعفاءها من الصلاة؛ فرفض محمد قائلا: إنه لا خير في دين لا صلاة فيه. ونزل الثقفيون عن بقاء اللات وقبلوا الإسلام وإقامة الصلاة. لكنهم طلبوا ألا يكسروا أوثانهم بأيديهم. إنهم حديثو عهد بإيمان، وقومهم ما يزالون في انتظارهم ليروا ما صنعوا، فليجنبهم محمد تحطيم ما كانوا يعبدون وما كان يعبد آباؤهم. ولم ير محمد أن يشتد في هذه، فسيّان أن يكسر الثقفيون الصنم وأن يكسره غيرهم؛ فهو سيهدم، وستقوم في ثقيف عبادة الله وحده. قال عليه السلام: أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، ثم أمّر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان من أحدثهم سنّا. أمّره عليهم على حداثة سنّه؛ لأنه كان أحرصهم على الفقه في الإسلام وتعلم القرآن، بشهادة أبي بكر والسابقين إلى الإسلام. وأقام القوم مع محمد ما بقي من رمضان، وصاموا وإياه وهو يبعث لهم بفطورهم وسحورهم. فلما آن لهم أن ينصرفوا إلى قومهم أوصى محمد عثمان بن أبي العاص قائلا: «تجاوز في الصلاة وأقدر الناس بأضعفهم، فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة» .

هدم اللات

وعاد القوم إلى بلادهم، فوجّه النبيّ معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة، وكانت لهما بثقيف مودّة وحرمة، ليقوما بهدم اللات. وقدم أبو سفيان والمغيرة لهدم الصنم، فهدمه المغيرة ونساء ثقيف حسّرا يبكين، ولا يجرؤ أحد أن يقترب منه بعد الذي كان من اتفاق وفد ثقيف والنبيّ على هدمه. وأخذ المغيرة مال اللات وحليها فقضى منه، بأمر الرسول وبالاتفاق مع أبي سفيان، دينا كان على عروة والأسود. وبهدم اللات وبإسلام الطائف كانت الحجاز كلها قد أسلمت، وكانت سطوة محمد قد امتدّت من بلاد الروم في الشمال إلى بلاد اليمن وحضرموت في الجنوب. وكانت هذه البلاد الباقية في جنوب شبه الجزيرة تتهيأ كلها لتنضمّ إلى الدين الجديد، ولتقف على الدفاع عنه وعن وطنها كل قوّتها. وكانت وفودها تسير لذلك من جهات مختلفة، قاصدة كلها إلى المدينة لتعلن الطاعة ولتدين بالإسلام.

بينما كانت الوفود تقبل تترى إلى المدينة، كانت الأشهر يتلو أحدها الآخر حتى اقترب موعد الحج، ولم يكن النبيّ عليه السلام أدّى الفريضة على تمامها يومئذ كما يؤديها المسلمون اليوم، أفتراه يخرج في عامه هذا شكرا لله على ما نصره على الروم، وما أدخل الطائف في حظيرة الإسلام، وما جعل الوفود تجيء إليه من كل فج عميق؟ إن شبه الجزيرة ما يزال بها من لم يؤمن بالله ورسوله، ما يزال بها الكفّار وما يزال بها اليهود والنّصارى. والكفار على عهدهم في الجاهليّة ما يزالون يحجون إلى الكعبة في الأشهر الحرم. والكفار نجس.

فليبق إذا بالمدينة حتى يتم الله كلمته وحتى يأذن الله له بالحج إلى بيته، وليخرج أبو بكر في الناس حاجّا.

حج أبي بكر بالناس ومنع المشركين من الحج

وخرج أبو بكر في ثلثمائة مسلم قاصدا إلى مكة. ولكن العام قد يتلو العام والمشركون ما يزالون يحجون بيت الله الحرام. أليس بين محمد وبين الناس عهد عامّ ألا يصدّ عن البيت أحد جاءه، ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم؟! أليست بينه وبين قبائل من العرب عهود إلى آجال مسمّاة؟!. فما دامت هذه العهود فسيظل بيت الله يحج إليه من يشرك بالله ومن يعبد غير الله، وسيظل المسلمون يرون عبادة الجاهليّة تؤدي بأعينهم حول الكعبة وهم بحكم هذه العهود الخاصّة وهذا العهد العام لأقبل لهم بصدّ أحد عن حجّه وعبادته. وإذا كانت الأصنام التي يعبد العرب قد حطم الكثير منها وحطم منها كل ما كان في الكعبة أو حولها، فإن هذا الاجتماع في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015