الخراج وجبايته- أنباء تهيؤ الروم- نفير محمد في المسلمين ليتهيئوا للقتال بالشام- الخوالف المنافقون- شدة محمد معهم- الجيش العرم- في لظى الطريق إلى الشام- انسحاب الروم خوفا من محمد- عهده ليوحنا ولأمراء الحدود- العود إلى المدينة- مرض إبراهيم ووفاته وبكاء محمد إياه.
لم يغيّر هذا الحادث المنزلي وهذا الإضراب والاضطراب بين النبي وأزواجه من سير الشئون العامة شيئا.
وكانت الشئون العامة بعد فتح مكة وإسلام أهلها قد بدأ يتضاعف خطرها، وقد بدأت العرب جميعا تحسّ جلال هذا الخطر. فالبيت الحرام كان بيت العرب المقدّس يحجون إليه منذ أجيال طويلة. وهذا البيت الحرام وما يتصل به من سدانة ورفادة وسقاية وما يتصل بالحج من مختلف الشعائر، قد أصبح في حكم محمد وفي حكم الدين الجديد. فلا جرم إذا أن تزداد شئون المسلمين العامة لفتح مكة، وأن يزداد المسلمون إحساسا بسلطانهم في كل ناحية من شبه الجزيرة. وازدياد الشئون العامة يحتاج بطبعه إلى مزيد في النفقات العامة. لذلك لم يكن بد من أن يدفع المسلمون زكاة العشر، وأن يدفع العرب الذين أصرّوا على جاهليتهم ما يفرض عليهم من خراج. قد يحرجهم ذلك، وقد يدعوهم إلى التذمّر وإلى أكثر من التذمّر؛ لكن ما اتصل بالدين الجديد من نظام في شبه الجزيرة جديد لم يجعل من جمع العشر والخراج مخرجا. ولهذه الغاية أوفد محمد عاشريه بعد قليل من عوده من مكة ليجمعوا له عشر إيراد القبائل التي دانت للإسلام من غير أن يتعرضوا لأصول أموالها. وذهب كل واحد من هؤلاء وجهته، فتلقتهم القبائل بالترحاب ودفعت لهم زكاة العشر طيّبة بدفعها نفوسهم؛ لم يندّ عن ذلك غير فرع من بني تميم وغير بني المصطلق. فبينما كان العاشر يقتضي قبائل في جوار بني تميم زكاة العشر وهم يدفعونها من إبلهم وأموالهم، سارعت إليه بنو العنبر (فخذ من بني تميم) قبل أن يطالبها بزكاتها تحمل نبالها وسيوفها وطردته من أرضها. فلمّا بلغ الخبر محمدا بعث إليهم عيينة بن حصن على رأس خمسين فارسا انقضّوا عليهم في سرّ منهم ففرّوا، وأصاب المسلمون الأسرى والسبايا وهم يزيدون على خمسين رجلا وامرأة وطفلا وعادوا موفورين إلى المدينة، وحبس النبيّ هؤلاء الأسرى. وكان من بني تميم جماعة أسلموا وقاتلوا إلى جانب النبيّ عند فتح مكة وفي حنين. وكان منهم من لا يزال على جاهليّته. فلمّا عرفوا ما أصاب أصحابهم من بني العنبر أرسلوا إلى النبيّ وفدا من أشرافهم نزلوا إلى المدينة ودخلوا المسجد ونادوا النبيّ من وراء حجراته أن