الإسلام والتنظيم الاجتماعي- تحريم الخمر- رسل محمد إلى الملوك والأمراء- المسلمون واليهود- غزوة خيبر- القضاء الأخير على سلطة اليهود- رد الملوك على رسل النبي- في انتظار عمرة القضاء.
عاد محمد والمسلمون معه من الحديبية قافلين إلى المدينة بعد ثلاثة أسابيع من تمام الصلح بينهم وبين قريش على ألا يدخلوا مكة هذا العام، وأن يدخلوا العام الذي يليه. عادوا وفي نفوسهم من أمر هذا الصلح شيء، أن اعتبره بعضهم غير متفق مع كرامة المسلمين، حتى نزلت سورة الفتح وهم في الطريق وتلاها النبيّ عليهم. وجعل محمد يفكر أثناء مقامهم بالحديبية وبعد عودهم منها ماذا عساه يصنع للمزيد من تثبيت أصحابه ولزيادة انتشار دعوته. وانتهى به التفكير إلى إرسال رسله إلى هرقل وكسرى والمقوقس ونجاشي الحبشة وإلى الحارث الغسّانيّ وإلى عامل كسرى في اليمن، كما انتهى به إلى ضرورة القضاء قضاء أخيرا على شوكة اليهود في شبه جزيرة العرب.
والحقّ أن الدعوة الإسلامية كانت قد بلغت يومئذ من النّضج ما يجعلها دين الناس كافّة. فهي لم تقف عند التوحيد وما يقتضيه التوحيد من عبادات، بل انفرج ميدانها وتناولت من صور النشاط الاجتماعي كلّها ما يوازي بينها وبين سمو فكرة التوحيد وما يجعل صاحبهما أدنى إلى بلوغ مراتب الكمال الإنساني وإلى تحقيق المثل الأعلى في الحياة. ولذلك نزلت الأحكام في كثير من أمور الاجتماع.
تحريم الخمر
اختلف مؤرّخو السيرة في تحريم الخمر متى كان، وذهب بعضهم إلى أنه كان في السنة الرابعة للهجرة، ولكن أكثرهم على أنه كان عام الحديبية. والفكرة في تحريم الخمر اجتماعية غير متصلة بالتوحيد من حيث هو التوحيد. ولا أدلّ على ذلك من أن التحريم لم ينزل به القرآن إلا بعد انقضاء عشرين سنة أو نحوها على بعث النبيّ، وأن المسلمين ظلّوا يشربونها إلى أن نزل التحريم. ولا أدلّ على ذلك من أن التحريم لم ينزل مرّة واحدة، بل نزل على فترات جعلت المسلمين يخفّفون منها، حتى كان التحريم فانتهوا عن شربها. فقد روي عن عمر بن الخطاب أنه سأل عن الخمر وقال: اللهم بينّ لنا فيها؛ فنزلت الآية: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ