المرأة والرجل في الإسلام- غزوة بني لحيان- قتل عيينة والأقرع- عزوة بني المصطلق- حديث الإفك
تنظيم الجماعة العربية استتبّ الأمر لمحمد والمسلمين بعد غزوة الخندق والقضاء على بني قريظة استتبابا جعل العرب تخافهم أشد الخوف، وجعل الكثيرين من قريش يفكرون: أليس خيرا لقريش لو أنها هادنت محمدا وصافته وهو منها وهي منه، والمهاجرون معه بينهم كبراؤها وساداتها! واستراح المسلمون بعد الذي اطمأنوا إليه من القضاء على اليهود بجوار المدينة قضاء لا تقوم لهم قائمة بعده. ومكثوا بالمدينة لذلك ستة أشهر يباشرون من تجارة الحياة ما يستمتعون معه بشيء من نعمة الحياة، ويزدادون برسالة محمد إيمانا ولتعاليمه امتثالا، ويسيرون وإياه في طريق تنظيم الجماعة العربية تنظيما لم يكن مألوفا عندها من قبل، ولكنه لم يكن منه بدّ في جماعة منظمة ذات كيان ووحدة كالجماعة التي كانت تتكون تحت سلطان الإسلام رويدا رويدا. فقد كانت العرب في الجاهلية لا تعرف لها نظاما ثابتا إلا ما أقرّته عاداتها ولم يكن لها في أمر الأسرة ونظامها، والزواج وحدوده، والطلاق وقيوده، وصلات الزوجين والأبناء، إلا ما تمليه طبيعة ذلك الجوّ الذي يغلو في الإباحة تارة ليصل من الجمود والتقيد إلى حدود الرقّ وعسفه تارة أخرى. فلينظم الإسلام الجماعة الإسلامية الناشئة التي لمّا تتكوّن تقاليدها، وليمهدها في وقت قصير لتضع نواة حضارة تنتظم من بعد ذلك حضارة الفرس والروم والمصريين، وتطبعها بطابعها الإسلاميّ الذي يتدرّج رويدا رويدا حتى يصل إلى كماله يوم ينزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (?) .
ومهما يكن الرأي في حضارة العرب قبل الإسلام وبداوتها، وهل كانت القرى من أمثال مكة والمدينة ذات حضارة لا تعرفها البادية، أو أنها كانت أيضا في أوليات مراتب الحضارة، فإنّ صلات الرجل والمرأة في هذه الجماعة العربية كلها لم تكن تعدو، بشهادة القرآن وبشهادة ما بقي من آثار ذلك العهد، صلات الذكورة والأنوثة، مع تفاوت تمليه مراتب الطوائف والعشائر لا يبعد عن هذا الوضع القريب من مراتب الإنسان