أصحابه وما كان يرجو من استئصال عدو الله وعدوه، قد طلب إلى المسلمين منذ اللحظة الأولى من المعركة ألا يقتلوا بني هاشم وألا يقتلوا بني هاشم وألا يقتلوا بعض رجال من سادات قريش، مع أنهم اشتركوا في قتال المسلمين، ومع أنهم كانوا سيقتلون من المسلمين من يستطيعون قتله. ولا تحسب أنه في ذلك أراد أن يحابي أهله أو أحدا ممن يمتون إليه باصرة القربى، فنفس محمد أسمى من أن تتأثر بمثل هذا، وإنما ذكر لبني هاشم منعهم إياه مدى ثلاثة عشر عاما من يوم بعثه إلى يوم هجرته، حتى كان عمه العباس معه ليلة بيعة العقبة.

وذكر لغير بني هاشم من قريش جميل من قاموا وهم على الكفر يطالبون بنقض الصحيفة، التي اضطرتّه بها قريش أن يلزم هو وأصحابه الشعب، بعد أن قطعت قريش بهم كل صلة وكل علاقة. فهذا المعروف الذي تقدّم به هؤلاء وأولئك قد اعتبره محمد حسنة يجزى من قدّمها بمثلها، بل يجزى بعشر أمثالها، لذلك كان شفيعا لهؤلاء عند المسلمين ساعة القتال، وإن أبى بعض هؤلاء القرشيين أن يستظلوا بهذا العفو على نحو ما فعل أبو البختري أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة، فقد أبى وقتل.

ولّى أهل مكة الأدبار كاسفا بالهم، خاشعة من الذل أبصارهم، لا يكاد أحدهم يلتقي نظره بنظر صاحبه حتى يواري وجهه خجلا من سوء ما حلّ بهم جميعا. أمّا المسلمون فأقاموا ببدر إلى آخر النهار، ثم جمعوا الذين قتلوا من قريش فحفروا لهم قليبا فدفنوهم فيه. وقضى محمد وأصحابه تلك الليلة في الميدان في شغل بجمع الغنيمة والسهر على الأسرى. وإذا جنّ الليل جعل محمد يفكر في نصر الله المسلمين على قلّة عددهم، وخذلانه المشركين الذي لم يكن لهم من قوة الإيمان عضد تعتزّ به كثرتهم. جعل يفكر في هذا، حتى سمعه أصحابه جوف الليل وهو يقول: «يا أهل القليب! يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة! ويا أميّة بن خلف! ويا أبا جهل بن هشام! - واستمر يذكر من في القليب واحدا بعد واحد- يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقّا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقّا» . قال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوما جيّفوا (?) ! قال عليه السلام: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني» . ونظر رسول الله في وجه أبي حذيفة بن عتبة فألفاه كئيبا قد تغيّر لونه. فقال: «لعلك يا أبا حذيفة قد دخلك من شأن أبيك شيء؟

قال أبو حذيفة: لا والله يا رسول الله! ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام. فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما كان عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني أمره» فقال له رسول الله خيرا ودعا له بخير.

اختلاف المسلمين على الفيء

ولما أصبح الصبح وآن للمسلمين أن يرتحلوا قافلين إلى المدينة، بدؤا يتساءلون في الغنيمة لمن تكون، قال الذين جمعوها: نحن جمعناها فهي لنا. وقال الذين كانوا يطاردون العدو حتى ساعة هزيمته: نحن والله أحقّ بها، فلو لانا لما أصبتموها. وقال الذين يحرسون محمدا مخافة أن يرتدّ إليه العدوّ: ما أنتم ولا هم أحق بها منا، وكان لنا أن نقتل العدوّ ونأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه، ولكنّا خفنا على رسول الله كرّة العدو فقمنا دونه. فأمر محمد الناس أن يردّوا كل ما في أيديهم من الغنائم، وأمر بها أن تحمل حتى يرى فيها رأيه أو يقضي الله فيها بقضائه.

قسمته بينهم على السواء

وبعث محمد إلى المدينة عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وبشير بن يلقيان إلى أهلها بما فتح الله على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015