الفصل الثالث عشر غزوة بدر الكبرى

خروج أبي سفيان إلى الشام- محاولة المسلمين قطع الطريق عليه- نجاته في الذهاب! انتظارهم إياه في أوبته- علم قريش بتجهيز المسلمين- خروجهم إلى بدر- نجاة أبي سفيان بتجارته- تردد قريش والمسلمين في القتال- زوال التردد- موقف الفريقين في بدر- حماسة المسلمين وانتصارهم.

كانت سريّة عبد الله بن جحش مفترق طرق في سياسة الإسلام، فيها رمى واقد بن عبد الله التميميّ عمرو بن الخضرميّ بسهم فقتله، فكان أوّل دم أراق المسلمون. وفيها نزلت الآية التي قدّمنا؛، وعلى أثرها شرع قتال الذين يفتنون المسلمين عن دينهم ويصدّون عن سبيل الله. وكانت هذه السرّية مفترق طرق كذلك في سياسة المسلمين إزاء قريش، أن جعلت الفريقين يتناظران بأسا وقوّة. فقد جعل المسلمون يفكرون من بعدها تفكيرا جدّيا في استخلاص أموالهم من قريش بغزوهم وقتالهم. ذلك بأن قريشا حاولت إثارة شبه الجزيرة كلها على محمد وأصحابه أن قتلوا في الشهر الحرام؛ حتى لقد أيقن محمد أن لم يبق في مصانعتهم أو في اتفاق معهم رجاء. وقد خرج أبو سفيان في أوائل الخريف من السنة الثانية للهجرة في تجارة كبيرة يقصد الشام، وهي التجارة التي أراد المسلمون اعتراضها حين خرج النبي عليه الصلاة والسلام إلى العشيرة. لكنهم إذ بلغوها كانت قافلة أبي سفيان قد مرّت بها ليومين من قبل وصولهم إليها؛ إذ ذاك اعتزم المسلمون انتظارها في عودتها. ولما تحيّن محمد انصرافها من الشام بعث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد ينتظران خبرها، فسارا حتى نزلا على كشد الجهنيّ بالحوراء وأقاما عنده في خباء حتى مرّت العير، فأسرعا إلى محمد ليفضيا إليه بأمرها وما رأيا منها.

على أن محمدا لم ينتظر رسوليه إلى الحوراء وما يأتيان به من خبر العير؛ فقد ترامى إليه أنها عير عظيمة، وأن أهل مكة جميعا اشتركوا فيها، لم يبق أحد منهم من الرجال والنساء استطاع أن يساهم فيها بحظ إلا فعل، حتى قوّم ما فيها بخمسين ألفا من الدنانير. ولقد خشي إن هو انتظرها أن تفوته العير في عودتها إلى مكة كما فاتته في ذهابها إلى الشام. لذلك ندب المسلمين وقال لهم: هذه عير قريش؛ فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها.

وخفّ بعض الناس وثقل بعض، وأراد جماعة لم يسلموا أن ينضموا طمعا في الغنيمة، فأبى محمد عليهم الانضمام أو يؤمنوا بالله ورسوله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015