تفكير محمد في أمر قريش- إيفاد السرايا لتخويف قوافلهم- غزوة عبد الله بن جحش في الشهر الحرام- الإسلام والقتال.
استقرّ للمسلمين المقام بالمدينة بعد أشهر من الهجرة، فبدأ تحنان المهاجرين إلى مكة يؤداد، وبدؤا يفكرون فيمن تركوا وما تركوا بها، وما أنزلت قريش بهم من الأذى. فماذا عساهم يصنعون؟ تذهب الكثرة من المؤرخين إلى أنهم فكروا وفكر محمد على رأسهم في الانتقام من قريش لأنفسهم، وفي مبادأتهم بالعداوة والحرب. بل إن بعضهم ليذهب إلى أنهم فكروا في هذه الحرب منذ مقدمهم إلى المدينة، وإنما منعهم من إشعال نارها أنهم كانوا في شغل بإعداد مساكنهم وتنظيم وسائل معاشهم. ويستدل هذا البعض بأن محمدا إنّما عقد بيعة العقبة الكبرى لحرب الأحمر والأسود من الناس. وطبيعيّ أن تكون قريش أوّل من يتجه إليها نظره ونظر أصحابه، ممّا فطنت له قريش بكرة العقبة، فخرجت في فزع تسأل الأوس والخزرج عنه.
ويؤيد هذا البعض قوله بما وقع بعد ثمانية أشهر من مقام الرسول والمهاجرين بالمدينة؛ إذ بعث محمد عمه حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين راكبا من المهاجرين دون الأنصار إلى شاطئ البحر من ناحية العيص حيث لقى أبا جهل بن هشام في ثلثمائة راكب من أهل مكة؛ وبأن حمزة كان على أهبة مقاتلة قريش إلا أن حجز بينهم مجديّ بن عمرو الجهنيّ، وكان موادعا الفريقين جميعا، فانصرف بعض القوم عن بعض دون قتال؛ وإذ بعث محمد عبيدة بن الحارث في ستين راكبا من المهاجرين دون الأنصار، فساروا إلى ماء بالحجاز بوادي رابغ، فلقيهم به جمع من قريش يزيد على مائتين على رأسهم أبو سفيان، فانسحبوا من غير قتال، إلا ما روي من أن سعد بن أبي وقّاص رمى يومئذ بسهم «فكان أوّل سهم رمي به في الإسلام» ؛ وإذ بعث سعد بن أبي وقّاص في ثمانية من المهاجرين على رواية، وفي عشرين منهم على رواية أخرى، فخرجوا إلى أرض الحجاز ثم عادوا بعد أن لم يصيبوا ما أرسلوا فيه.