إعلان عمر إسلامه وصلاة المسلمين عند الكعبة- صحيفة المقاطعة- جهود قريش في محاربة محمد- سلاح الدعاية- سحر البيان- جبر النصراني- تأثر قريش بالدعوة الجديدة- الطفيل الدوسي- وفد النصارى- ما منع قريشا أن تتابع محمدا: المنافسة، الخوف على مكانة مكة، الفزع من البعث.
فت إسلام عمر في عضد قريش أن دخل في دين الله بالحميّة التي كان يحاربه من قبل بها. لم يخف إسلامه ولم يستتر، بل ذهب يعلنه على رؤس الملأ ويقاتلهم في سبيله، ولم يرض عن استخفاء المسلمين وذهابهم إلى شعاب مكة يقيمون الصلاة فيها بعيدين عن أذى قريش، بل دأب على نضال قريش حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه. وأيقنت قريش أن ما تنال به محمدا وأصحابه من الأذى لن يحول دون إقبال الناس على دين الله ليحتموا من بعد ذلك بعمر وحمزة أو بالحبشة أو بمن يقدر على حمايتهم؛ فأتمرت من جديد ماذا تصنع، واتّفقوا فيما بينهم وكتبوا كتابا تعاقدوا فيه على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب مقاطعة تامّة، فلا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، وعلّقوا صحيفة هذا العقد في جوف الكعبة توكيدا لها وتسجيلا. وكان أكبر ظنهم أن هذه السياسة السلبيّة، وسياسة التجويع والمقاطعة ستكون أفعل أثرا من سياسة الأذى والإعنات، وإن لم ينقطعوا عن الإعنات ولا عن الأذى. وأقامت قريش على حصار المسلمين وحصار بني هاشم وبني عبد المطلب سنتين أو ثلاثا، كانت ترجو خلالها أن تصل من محمد إلى اعتزال قومه إياه، فيعود وحيدا ولا يبقى له ولا لدعوته من خطر.
فأمّا محمد فلم يزده ذلك إلا اعتصاما بحبل الله، ولم يزد أهله والذين آمنوا به إلا ذودا عنه وعن دين الله، ولم يحل دون انتشار الدعوة إلى الإسلام انتشارا خرج بها من حدود مكة. وذاع أمر الدعوة بين العرب وقبائلها بما جعل الدين الجديد يفشو ذكره في شبه الجزيرة بعد أن كان حبيسا بين جبال مكة، وما جعل قريشا تزيد إمعانا في تفكيرها كيف تحارب هذا الذي خرج عليها وسبّ آلهتها، وكيف تقف دون انتشار دعوته بين قبائل العرب، هذه القبائل التي لا غنى لمكة عنها ولا غنى لها عن مكة في التجارة المتصلة التي تصدر عن أمّ القرى وترد إليها.
ولقد كان ما بذلت قريش من مجهود في محاربة هذا الخارج عليها وعلى دينها ودين آبائها، وما ثابرت وصابرت السنين الطوال للقضاء على هذه الدعوة الجديدة، يعدو ما يتصوره العقل. هدّدت محمدا وهدّدت