بتفسيره وقوة مناظرته، فهذه رتبة من بلغ الاجتهادَ المُقيَّد، وتأهَّلَ للنظر في دلائلِ الأئمة، فمتى وَضح له الحقُّ في مسألة، وثَبت فيها النص، وعَمِلَ بها أحدُ الأئمة الأعلامِ كأبي حنيفة مثلاً، أو كمالك، أو الثوريِّ، أو الأوزاعيِّ، أو الشافعيّ وأبي عبيد، وأحمدَ، وإسحاق، فلْيَتَّبِعْ فيها الحقَّ ولا يَسْلُكِ الرُّخصَ ولْيتَورَّع، ولا يسعُه فيها بعد قيامِ الحجةِ عليه تقليدٌ، فإن خاف ممن يُشغِّب عليه من الفقهاء فَلْيَتكتَّم بها ولا يتراءى بفعلها، فربّما أعجبته نفسُه، وأحب الظهور، فيعاقَب، ويدخل عليه الداخلُ من نفسه، فكم من رجلٍ نطق بالحقِّ، وأمر بالمعروف، فَيُسلِّطُ الله عليه من يُؤذيه لسوء قصده، وحُبِّه للرئاسة الدينية، فهذا داءٌ خفيٌّ سارٍ في نفوس الفقهاء كما أنه داءٌ سارٍ في نفوس المنفقين من الأغنياء وأربابِ الوقوفِ والتُّربِ المزخرفة وهو دَاء خفيٌّ يسري في نفوس الجند والأُمراء والمجاهدين، فتراهم يَلتقون العدوَّ، ويصطدمُ الجمعان وفي نفوس المجاهدين مُخَبّآتٌ وكمائنُ من الاختيال وإظهار الشجاعةِ. [السير (تهذيبه) 3/ 1400].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015