فاستبشر ووثب قائمًا على رجليه وما على رسول - صلى الله عليه وسلم - رداء فرحًا بعكرمة، وقال: أدخليه، فدخل، فقال: يا محمد، إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صدقت وأنت آمن)، قال عكرمة: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله، وقلت: أنت أبر الناس، وأصدق الناس، وأوفى الناس، أقول ذلك وإني لمطأطىء الرأس استحياء منه: ثم قلت: يا رسول الله، استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مركب أَوْضَعْتُ فيه أريد به إظهار الشرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها، أو نطق بها أو مركب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك)، فقلت: يا رسول الله، مرني بخير ما تعلم فأعمله، قال: (قل أشهد أن لا إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وجاهد في سبيله) ثم قال عكرمة: أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في صدٍ عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ولا قتالاً كنت أقاتل في صدٍ عن سبيل الله إلاَّ أبليت ضعفه في سبيل الله، ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدًا يوم أجنادين في خلافة أبي بكر الصديق، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله عام حج على هوازن بصدقتها. [المنتظم 4/ 154، 155].
* وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -، قال: كنت رجلاً فارسيًا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جَيّ، وكان أبي دِهْقانَ قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها، لا يتركها تخبو ساعة.
وكان لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يومًا، فقال لي: يا بني إني قد شغلت ببنائي هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون.
فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت: هذا والله خير من الدِّين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها، فقلت لهم: أين أصْل هذا الدِّين؟ قالوا: بالشام.