- وهو عمرو بن الطفيل - رجلاً شريفًا شاعرًا كثير الضيافة، فقدم مكة، فلقيه رجال من قريش، فقالوا: إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وبين أخيه، وبين الرجل وزوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه، فلا تكلمه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني قطنًا، فرقًا من أن يبلغني شيء من قوله، فكان يقال لي: ذو القطنتين.
قال: فغدوت يومًا إلى المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبًا منه فسمعت بعض قوله، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل، فإن كان حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته.
فمكثت حتى انصرف إلى بيته، فدخلت معه، فقلت: إن قومك قالوا لي كذا وكذا، فاعرض عليَّ أمرك، فعرض عليَّ الإسلام، وتلا القرآن، فقلت: لا والله ما سمعت قولاً قط أحسن من هذا ولا أعدل منه، فأسلمت، فقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يكون لي عونًا عليهم، فقال: (اللهم اجعل له آية).
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا بي مُثْلَةً وقعت في وجهي لفراق دينهم، فتحول النور فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، فأتاني أبي فقلت له: إليك عني فإنك لست مني، ولست منك، قال: ولم يا بني؟ قلت: إني أسلمت واتبعت دين محمد، قال: يابني ديني دينك. قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ففعل فجاء فعرضت عليه الإسلام، ثم أتتني صاحبتي، فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني، قالت: ولم بأبي أنت؟ قلت: فرق بيني وبينك الإسلام، إني أسلمت واتبعت دين محمد، فقالت: ديني دينك،