فأقبل إليه، فبينا هو ذات ضحوة في المسجد إذ حس في بطنه بشيء فحصب الصبي فاشتغل عنه مع الصبيان حتى خاف الشيخ على نفسه، فقال: اللهم إنك كنت جعلت لي بصري نعمة وخشيت أن يكون نقمة فسألتك فقبضته إليك، وقد خشيت الفضيحة فرده عليّ فانصرف إلى منزله صحيحًا يمشي.
قال مالك: فرأيته أعمى ورأيته صحيحًا. [المنتظم 8/ 165].
* وعن علي بن الحسين رحمه الله، قال: ولى علينا عبدُ الملك بن مروانَ طارقًا مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال عليّ: فمشيت إلى سالم بن عبد الله بن عمر، وإلى القاسم بن محمد بن أبي بكر، وإلى أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، فقلت: اذهبوا بنا إلى هذا الرجل نسلم عليه ندفع بذلك عن أنفسنا. قال: فأتيناه فسلمنا عليه فأجلسنا عنده، ثم قال لنا: أيكم سعيد بن المسيب؟ قال: فكلمه القاسم بن محمد، فقال له: أصلحك الله، إن سعيد بن المسيب قد رفعت عنه الولاة إتيانها، وقد ألزم نفسه المسجد، فليس يبرح منه، قال: رغب أن يأتيني، والله لأقتلنه، والله لأقتلنه، والله لأقتلنه - ثلاثًا - قال القاسم: فضاق بنا المجلس حتى قمنا، فجئت المسجد فتطلعت فيه فإذا سعيد بن المسيب عند اسطوانته جالس، فدخلت عليه فأخبرته بما كان وقلت له: أرى لك أن تخرج الساعة إلى مكة فتعتمر وتقيم بها، قال: ما حضرتني في ذلك نية، وإن أحب الأعمال إليّ ما نويت، فقلت له: فإني أرى أن تخرج إلى بعض منازل إخوانك فتقيم فيه حتى ننظر ما يكون من الرجل، قال: فكيف أصنع بهذا الداعي الذي يدعوني في كل يوم وليلة خمس مرات، والله لا دعاني إلا أجبته على أي حال كان، قلت له: فإني أرى أن تقوم من مجلسك هذا فتجلس إلى بعض هذه الأساطين فإنك إن طلبت فإنما تطلب عند اسطوانتك. قال: ولِمَ أقوم من موضعي هذا الذي قد أتاني الله فيه العافية من كذا وكذا سنة؟ قلت له: رحمك الله، أما تخاف على نفسك كما يخاف الناس؟ فقال لي: والله لا أحلف بالله كاذبًا ما خفت شيئًا سواه، قلت له: فبماذا أقوم من عندك رحمك الله، فقد غممتني، فقال: تقوم بخير، أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينسيه ذكري.