لئن كانت مصيبتُك بابنك لم تُحْدِثْ لك موعظةً في نفسك، فهي هيِّنة في جنب مصيبتك بنفسك، فإيَّاها فَابْكِ. [السير (تهذيبه) 2/ 725].
* وعن الأوزاعي أنه قال: حدّثني بعض الحكماء قال: خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا كنت بعريش مصر أو دونه إذا أنا بمظلة، وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وإذا هو يقول: اللهم إني أحمدك حمدًا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً. فقلت: والله لأسْألنَّه أَعلِمَهُ أم أُلْهِمَه، فدنوت منه، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ السلام فقلت له: إني سائلك عن شيء تخبرني به. قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك. فقلت: على أي نعمةٍ من نعمه تحمده أم على أي فضيلة تشكره؟ قال: أليس ترى ما قد صنع بي؟ قلت: بلى. قال: فوالله لو أن الله - عزَّ وجلَّ - صبّ علي السماءَ نارًا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرّقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت له إلا حبًا وشكرًا. وإن لي إليك حاجة، قلت: وما هي؟ قال: كان لي من يتعاهدني في وقت صلاتي ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر لي، هل تحسه لي. فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله تعالى، فخرجت في طلبه حتى إذا كنت في كثبان من رمل، إذا سبع قد افترس الغلام فأكله، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رقيق فأخبره الخبر لئلا يموت، فأتيته، فسلَّمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، فقلت له: إني سائلك عن شيء، أتخبرني به؟ قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به. قلت: أنت أكرم على الله - عزَّ وجلَّ - منزلة أم أيوب - عليه السلام؟ قال: بل أيوب - عليه السلام - كان أكرم على الله - عزَّ وجلَّ - مني، وأعظم منزلة. فقلت: أليس قد ابتلاه فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به، وصار غرضًا لمُرَّار الطريق؟ فقال: بلى. قلت: إن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني، خرجت في طلبه، حتى إذا كنت بين كثبان رمل، إذا أنا بالسبع قد افترس الغلام وأكله. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا. ثم شهق شهقة فمات.
فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من يعينني على غسله وتكفينه ودفنه. فبينا أنا كذلك إذا بركب