وفي خامس ربيع الثاني خرجت القبقول من القلعة وقوّسوا على الإنكشارية، وحصلت فتنة قوية، ثم أصلح بينهم القبجي والموالي والأغوات، وبطل الحرب. وفي خامس وعشرين من ربيع الثاني توفي قاضي المدينة الذي جاء مع الحجاج، وصارت تموت الحجاج ناساً بعد ناس، حتى مات كثير ممن كان مع الجردة، لأن الذي جرى على الحاج وعلى الجردة في هذا العام شيء ما سمع، مما تقشعر منه الأبدان. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبقيت دمشق بلا حاكم إلى آخر ربيع الثاني إلى أن تحقق الخبر بعد تردد الناس في أمر حكام الشام بتوجيه ولاية الشام لحضرة الوزير الكبير الحاج عبد الله باشا الشتجي. وكان دخوله مدينة دمشق الشام ضحوة نهار الأحد ثامن وعشرين ربيع الثاني، فخرجت لملاقاته وجوه الشام وأعيانها، ودخل في موكب لم يعهد لغيره، ودخل معه عسكر جرّار، فكان معه أربعين كذا بيرقاً من الدالاتية وخمسين بيرقاً من اللوند وعشرين بيرقاً من الأرنؤوط. ثم إنه ثاني يوم عمل ديواناً ولبّس المفتي والقاضي ونقيب الأشراف والسيد علي أفندي المرادي وأرسل الباشا يطلب جماعة من الإنكشارية فلم يجيبوا، فأرسل ينادي بأن أهل العرض ترحل من بين الإنكشارية، فلم تر إلا نقل أمتعة وإخلاء دور ودكاكين وأول دخول الباشا إلى الشام اجتمعت الإنكشارية فبلغوا نحو عشرين ألفاً وأكثر، وأظهروا الشجاعة وقلة الخوف منه، وقالوا: نحن لا نحسب حسابه، ولو كان عسكره أضعافنا.

ولما كانت ليلة الأربعاء اجتمعت من الإنكشارية جماعة في حارة السويقة، وصاروا يقوّسوا كذا ويفزعوا الناس، إلى أن سكّرت أهل الشام البوابات، ولما ظهر النهار هجموا إلى باب الجابية وقوسوا إلى ناحية باب السرايا. فبلغ أمرهم حضرة الباشا والي الشام، فاغتاظ غيظاً شديداً. وجاءت الموالي وعمل ديواناً، ثم أرسل الباشا يطلب منهم الأشقياء الخارجين عن الطاعة، وصاحب العرض يبقى بحاله. فتغلظت أكباد الإنكشارية وتقوّوا، وظنوا أنهم هم المنصورون. ثم صاح الباشا في جنده وركب في نفسه، وطلب جهة الميدان فلم يقف بين يديه أحد، وهجم هو وعسكره عليهم، فلم يثبت منهم أحد. فلم يزل يضرب هو وعسكره بالسيف إلى أن وصلوا إلى خارج باب الله، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، والذي ما أرادوا قتله أخذوه ووضعوه في الجنزير. ونهبت العساكر الميدان، ولم يتركوا كبيراً أو صغيراً إلا قتيلاً أو أسيراً. ولم يتركوا بيتاً ولا دكاناً ولا امرأة ولا طفلاً إلا استعملوا النهب والسبي وهتك الأعراض من سلب النساء الحليّ وسلب البنات الأبكار، وغير ذلك مما يعمي الأبصار، وتمنوا الموت الدرّار، ولم يروا هذه الفظائع المهولة الكبار، وانتكبت أهل الشام نكبة في ذلك العام ما عهدت من أيام التيمور، ولله عاقبة الأمور.

وثاني يوم الخميس قامت جماعة الباشا إلى النهب، فمنعهم وأمر بجمع المسلوبات من العساكر وغيرهم، وأن يوضعوا في بعض الجوامع. وأمر منادياً ينادي كل من له مالٌ منهوب فليأت وليعلمه ويأخذه، فأخذوا البعض وذهب الأكثر. وأما أتباع الباشا فإنهم صاروا كل من رأوه يقتلوه ويقطعوا رأسه، ويتركوه في الأسواق والأزقة والبيوت وقد ضبطوا الدور التي نهبت، فخرجت نحو أربعة وعشرين ألف دار، ومن الدكاكين أكثر من هذا المقدار، وأعظم من ذلك أن زاوية بيت الشيخ سعد الدين الجباوي التي في الميدان وضعوا بها الأمتعة الثمينة، ثم تفقدوها بعد ذلك فما وجدوا بها شيئاً أبداً، وصارت العساكر تلحق الإنكشارية للقرايا والضيع والبراري، فتقتل وتأسر حتى الأولاد والنساء، وكثر الجور في البلاد، وخافت العباد وكثر الفساد، وجمعوا رؤساء كثيرة من أشراف وعامة، وأرسلوها إلى الدولة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015