وفي تلك الأيام بشهر آذار الرومي ثار ريح شديد عاصف ما سمع بمثله، تزلزلت فيه أقطار الشام، حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت، وأعقبه برد ومطر شديد متراسل إلى آخر الليل. وفي تلك الأيام جاء رجل من الأتراك إلى دمشق، ومعه صحن من نحاس يضعه على عود ويفتله عليه، ويحذفه إلى أعلى قامتين، ويتلقاه على العود وهو يفتل، وينقله من إصبع وهو دائر يقتل، ويلمّ فلوساً من المتفرجين. ثم صارت أولاد الشام تفعل كفعله، فتعجب من ذلك وذكر أنه دار بلاداً كثيرة في الدنيا، وما قدر أحد أن يفعل كفعله، ثم سافر ولم ير بعد. وأغرب من ذلك أنه جاء رجل أيضاً من أبناء الترك قبل الذي ذكرناه يصفق بأصابعه، يضرب بالواحدة على الأخرى، ويدق برجله على الأرض دقاً محكماً، ويغني بالتركي والعربي، فتجمّع عليه الخلق ويعطونه فلوساً. فصارت أولاد الشام الصغار تفعل كفعله وأحسن. وذكر أنه دار في الدنيا مدناً كثيرة فلن يتعلم هذه الصنعة سوى أولاد دمشق، واندهش من ذكائهم.

وفي جمادى الآخرة قُتل رجل في محلة العقيبة، فسألت عن السبب، فقيل إنه رجل يشتغل بالفرن، فمضى إلى فرنه آخر الليل وسكّر باب داره وترك زوجته نائمة، فلما وصل إلى فرنه واستقر برهة، جاءه نذير، وأخبره أنه رأى رجالاً دخلوا داره، فجاء يعدو بالحال، فوجد السكرة، مفتوحة، فجسّ الباب فوجده مدربساً، فصاح على زوجته فأجابته، فقال لها من مَن عندك، فصاحت: واعرضاه من يكون عندي، فقال لها افتحي الباب، فتعللت بعدم قدرتها على فتح الباب، فصاح بشدة، وإذا قد فتح الباب وخرج منه رجال، فضربه أحدهم بطبنجة جاءت في صدره فقتلته حالاً، فلما طلع النهار أخبروا حضرة وزير الشام أسعد باشا، فأحضر المرأة بين يديه، وسألها فأنكرت فأمر بحبسها، فحبست وذهب دم زوجها هدرا.

وفي تلك الأيام أيضاً جيء لحضرة الوزير أسعد باشا بامرأة قتلت زوجها، فسألها عن السبب، فقالت له إنه تزوج عليّ، فلما كانت ليلتي نام وتركني، فقمت وقطعت ذكره، وقلت لا لي ولا لها، فمات من ذلك. فضحك حضرة الوزير، ولم يفعل بها شيئاً سوى أنه أمر بحبسها.

وفي اليوم الحادي والعشرين من جمادى الثانية من هذه السنة ذهب والي الشام إلى الدورة، ومتسلمه موسى آغا كيخية. فثاني يوم من ذهاب الباشا شنق متسلمه المذكور اثنين، قيل إنهم متاولة كانا يقطعان الطريق، ثم نادى أن لا أحد بعد صلاة العشاء يخرج لا بضوء ولا بلا ضوء. وهذا شيء ما سبق قط. ثم صار بنفسه يدور بالليل، وكان من الجبابرة. وبهذه السنة ثبت أول رجب السبت وليلة نصف شعبان كانت ليلة الاثنين، وأول رمضان كان الثلاثاء. وفي سادس عشر رمضان دخل ركب الصرّة أميني؛ ودخلت أيضاً خزنة مصر إلى الشام. وفي الحادي والعشرين منه دخلت البلطجية. وفي ليلة الرابعة والعشرين بعد صلاة التراويح قتل كردي يقال له كرا مصطفى في الحدرا، ولم يُعلم غريمه، فاتهموا فيه رجلاً بغدادياً، فتسلحت الأكراد، ونزلت حتى وصلت إلى الدرويشية وباب الجابية لعلهم يصادفون أحداً من البغّادة ليقتلوه فلم يجدوا، وكانت الخلائق في الدرويشية صفوفاً وألوفاً، فبهجوم الأكراد تفرقوا وهربوا، ودخل الخوف والرعب في قلوب الناس، وإلى الله المصير.

وبعد ثلاثة أيام حضر الباشا من الدورة، وكان دخوله مع أذان المغرب.

وفي سلخ رمضان يوم الوقفة قتل الأكراد اثنين من البغّادة لأخذ ثأر القتيل الكردي الذي قدمنا ذكره، فتسلحت البغادة والموصلية وساعدتهم التفكجية والقبقول، وطلبوا خان الأكراد، فرمى الأكراد عليهم طلقاً من الرصاص، فقتلوا جماعة وجرحوا، فرجعوا على الأكراد ونهبوا بعض قهواتهم، وأرادوا أن يعملوا جمهورية كذا ويقيموا فتنة في البلد. فنهاهم حضرة الوزير حفظه الله عن ذلك، بقيت الأمور مطوية. وكان عيد الفطر يوم الأربعاء، وقد صمنا رمضان تماماً، بعدما كنا صمناه أعواماً ناقصاً. وبعد أيام رحلت خزنة مصر إلى اصطنبول.

وفي سابع عشر شوال رحل أمير الحاج بالمحمل الشريف والموكب المنيف الحاج أسعد باشا العظم. وهذه السنة هي الثامنة من حجاته المتوالية. وثاني يوم جاء الحاج الحلبي. وفي الحادي والعشرين من شوال رحل الحاج الشامي والحلبي من الشام. وبعد خمسة أيام جاء حاج من العجم، وتبع الحاج إلى المزيريب من جهة اللجاة، ورحل الحاج من المزيريب يوم السابع والعشرين من شهر شوال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015