وفي تلك الأيام بلغ حضرة الوزير أسعد باشا أن في دار ابن كيوان طاحونة قديمة، يقال لها طاحون الرهبان، قد تهدمت ولم يبق منها سوى رسوم أسفلها، وأنها مركبة على بانياس، فحالاً أمر حضرة الباشا بقطع نهر بانياس وأن يخرجوا جميع ما فيها من أعمدة وأحجار وينقلوهم إلى الدار. فاشتغلت الفعّالة والحجّارة والبساتنة، واستقاموا يقلعون الأحجار وينقلونها إلى دار الباشا اثنا عشر يوماً، والنهر مقطوع عن أصحابه.
وفي يوم الخميس سادس وعشرين ربيع الثاني من هذه السنة عمل حسن أفندي السفرجلاني وليمة لحضرة أسعد باشا والي الشام بالصالحية في قاعة ابن قرنق. وكانت ضيافة عظيمة، قيل تكلف عليه نحو إحدى عشر مئة غرش. فنظر حضرة الباشا إلى سروات شاهقات في داره، فطلب من صاحبهم علي آغا بن قرنق قطعهم لأجل عمارة داره، وعرض أسعد باشا صاحب العمارة عليه شيئاً من المال، فأبى أن يأخذ من ثمنهم شيئاً، وقطع له ثلاث سروات ليس لهم نظير في الشام ولا في غيرها. ونقل من قرية بصرى أحجاراً وأعمدة من الرخام شيئاً كثيراً، وأخذ من مدرسة الملك الناصر التي في الصالحية أعمدة غلاظاً جيء بهم محملين على عربات تجر بالبقر وهدم سوق الزنوظية الذي فوق حارة العمارة، وكان كله أقبية معقودة فأمر بفكه ونقله إلى داره المشار إليها. ونقل إليها أيضاً أعمدة من جامع يلبغا، وأنه مهما سمع ببلاط بديع أو أعمدة أو أحجاراً من أي محل كان يأتي بها شراءً وغير شراء.
قال المؤرخ أحمد البديري عفا الله عنه: وفي تلك الأيام قتل ابن خطاب الدالاتي في سوق البزورية وقت أذان العشاء، جاء ضرب سلاح على رأسه، أخذ نصف رقبته مع رأسه، فوقع قتيلاً كأنه ما كان. هذا ووزير الشام مشغول في عمارة داره، ولم يلتفت إلى رعاياه وأنصاره ويقول: ائتوني بحجارة المرمر والرخام والسرو، وتفننوا بالبناء والنقوش والتحلية بالذهب والفضة، وجلب عواميد الرخام على العجلات والبقر من بصرى، وخرب سوق مسجد الأقصاب، واستجلب جميع ما فيه من أحجار وأخشاب، وكل ما سمع بقطعة أو تحفة من رخام أو قيشاني أو غيرها يرسل فيأتي بها إن رضي صاحبها أو أبى. وإذا أراد الفقير أن يعمر أو يرمم لم يجد معمارياً ولا نجاراً ولا خشباً ولا مسماراً ولا تراباً ولا قصرمل ولا أحجار، وهذا مع غلاء الأسعار وحلول الأكدار. وقد أخذ حضرة الباشا قدراً وافياً من ماء قنوات، فما وصل إلى السرايا حتى تقطعت السبل ومياه غالب الجوامع والحمامات، وبقي مدة مقطوعاً حتى عن غالب البيوت.
وفي تلك الأيام عمل علي أفندي المرادي ضيافة لحضرة أسعد باشا في قرية ببيلة في طريق قبر الست، وكانت ضيافة حافلة في الغداء والعشاء.
وفي تلك الأيام أيضاً أمر حضرة الوزير أسعد باشا العظم متولي الجامع الأموي الشيخ إبراهيم الجباوي السعدي بأن يصلح أحوال الجامع المذكور ويتفقد مصالحه. فحالاً باشروا بترميم المئذنة الغربية، وأزالوا ما فيها من الأحجار العاطلة، وأزالوا ما به من الحصر والطنافس العتق، وفرشوه فرشاً جديداً بهمة حضرة الباشا.
وفي يوم الاثنين سادس جمادى الأولى خرج الحاج أسعد باشا وعمل سيراناً في أرض الغوطة، ومعه أكابر دمشق وأعيانها.
وفي يوم الجمعة عاشر يوم من جمادى الأولى والناس في صلاة الجمعة، ألقى رجل نفسه من قلعة دمشق إلى جهة قهوة المناخلية، فتكسرت يديه كذا ورجليه، وسبب حبسه أنه اتهم بافتضاض بنت.