وفي أوائل شهر صفر وقع بيت في حارة العقيبة على جماعة قتل منهم سبعة، ونجا رجل وزوجته، واسمه سعيد بن الشاكوش، وفي عاشر ربيع الأول صار برد شديد مؤلم، وصار يباع الفحم على الفروش، يحملونه على رؤوسهم، كل رطل بخمسة مصاري، ويدوروا به في الأسواق والحارات، وكان ذلك قبل دخول الحسوم بأيام، واستمر إلى أن دخلت الحسوم. وفي سابع عشر ربيع الأول قدم جوقدارية من إصطنبول ودخلوا على أمير الحاج ووالي الشام الحاج أسعد باشا العظم، وأظهر أنه جاءته بشارة من الجناب العالي، فأمر بعمل أعمال نارية التي تسمى شنك. فتراكضت القبقول والعسكر لنحو السرايا، فظنت أهل دمشق أن حادثة وقعت، فسكّرت البلد، فأخبروا الباشا بذلك، فقال: اضربوا مدافعاً واعملوا شنكاً آخر. ففعلوا، فهدأت الناس، وفتحت دكاكينهم. وفي تلك الأيام سكر بعض الأتراك من القبقول وجرح ثلاثة أشخاص من أهل البلد، وبعد أيام ماتوا من أثر جراحاتهم، ولم تقام لهم دعوة. وقد كثر الغلاء وزاد البلاء، فالخبز رطله بست مصاري وهو الدون، والوسط بثمانية مصاري، والمليح باثنا عشر مصرية. وأوقية السمن بسبع مصاري، وأوقية الزيت بمصريتين، واللحم رطله بست وثلاثين مصرية. وبنات الهوى دائرات بالليل والنهار. والناس في كرب عظيم.

وفي شهر ربيع الأول وصل خبر لدمشق بأنه صار في طرابلس الشام غرقة أعظم من التي صارت بدمشق المتقدم ذكرها. وذلك بأن نهر طرابلس زاد كثيراً وطاف على أهلها حتى أغرق أكثر من خمس مئة إنسان، ماعدا الدّواب والأنعام والأموال. نعوذ بالله من غضب الجبّار. وفي تلك الأيام أغارت أعوان الظاهر عمر شيخ طبرية على جمال سائرة من الشام، ونهبوا أهلها وأخذوا مالها. وسبب ذلك أن في بلاده وأرضه عرب وتركمان، وكان قد أمر أسعد باشا أن يغيروا عليهم، فغاروا عليهم ونهبوهم، وأخذوا مالهم وأغنامهم، وقتلوا منهم جماعة، فأتوا بأغنامهم، ففرّقها الباشا على القرى ولحّامة الشام، والذي كان يساوي قرش طرحه غصباً بخمسة قروش وهكذا. وفي هذا الشهر صار رطل الخبز من ثمانية مصاري إلى اثني عشر مصرية، والمعروك بسبعة عشر مصرية، ورطل الثوم بأربعة وعشرين مصرية، وغرارة القمح باثنين وخمسين غرشاً، وغرارة الذرة بثمانية وأربعين، والبيض كل اثنتين بمصرية، ورطل الأرز بخمسة عشر مصرية، ورطل الفحم بستة مصاري. وكل شيء زاد عن حدّه، والحكم لله في عبده.

وفي شهر ربيع الثاني قتل أسعد باشا ثلاثة أنفار من المتاولة وقتل البطحيش من جماعة الزرب الأشقياء الفارّين أيام الوقعة.

وفي يوم الاثنين رابع جمادى الثانية من هذه السنة دخل قاضي الشام السيد محمد أفندي بشمقجي زاده. قال المؤرخ البديري: وبلغني أن حامد أفندي بن العمادي مفتي الشام كان قد خزّن القمح مثل الأكابر والأعيان الذين لا يخافون الرحيم الرحمن، وأن الكيّالة جاؤوا إليه وقالوا: نبيع الحنطة كل غرارة بخمسين قرشاً، فقال لهم: مهلاً فلعل الثمن يزيد. فإذا كان مفتي المسلمين ما عنده شفقة على خلق الله فلا تعتب على غيره.

وفي هذه الأيام عملوا ديوان، وأخبروا أسعد باشا بكثرة المنكرات واجتماع النساء بنات الهوى في الأزقة والأسواق، وأنهم ينامون على الدكاكين وفي الأفران والقهاوي. وقال: دعنا نعمل لهم طريقاً إما بترحيلهم أو بوضعهم بمكان لا يتجاوزونه، أو نتبصر في أمرهم. فقال: إني لا أفعل شيئا من هذه الأحوال، ولا أدعهم يدعون عليّ في الليل والنهار، ثم انفضّ المجلس، ولم يحصل من اجتماعهم فائدة.

وفي تلك الأيام زاد الغلاء في بلاد الشام، فبلغنا أن رطل الخبز في طرابلس بعشرة مصاري، وفي غزة والرملة بخمسة وعشرين مصرية، وفي الشام ليس واقف على سعر، وقد زاد الغلاء والبلاء والقهر.

قال المؤرخ البديري: وفي هذه الأيام اشترى أسعد باشا والي دمشق الشام أملاكاً كثيرة من دور وبساتين وطواحين وغير ذلك، وهذا قبل بنائه لداره وقيساريته. وفي ثامن جمادى الثانية من هذه السنة نزل الشعير الجديد، فباعوا خبز شعير رطله بأربع مصاري، والأبيض بستة. ثم ثاني يوم خرج المنادي بأن يباع الخبز الحنطة بأربع مصاري والأبيض بستة مصاري. ولم تحصل للفقراء نتيجة، فكل يوم بسعر جديد، والله يفعل ما يريد.

وفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى توفي العالم الفاضل الشيخ عبد الوهاب الدالاتي رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015