وفي هذه الوقعة توفي الولي المجذوب الشيخ إبراهيم الملقب بالكيكي وكان رجلاً مباركاً، وأبوه رجل من الصلحاء من محلة القبيبات. وكان في غالب أوقاته يدق على يديه ويميل إلى ورائه وإلى قدامه، وينادي بأعلى صوته: ولك كيكي يا غوّاص، وتارة يبكي ويقول: بدّي امرأة حتى..، ويقول له الناس: أي شيء لك في المرأة؟ فقال: المرأة خبزة، وله وقائع وكرامات. ومن كراماته التي نقلوها عنه واشتهرت أنه رأى يوماً من الأيام رجلاً يبيع علب لبن، فصاح على صاحب اللبن وقال بدّي علبة، وصار يبكي ويدق بيديه، فاجتمعت الناس وأخرجوا له علبة، فقال الشيخ وهو يبكي لا أريد إلا هذه، وأشار إلى واحدة من علب اللبن، فأخرجوها له، فأخذها بيده وأفرغها على الأرض، وإذا قد نزل منها حية، فتركها وذهب، وله كرامات غيرها كثيرة. وسبب موته أنه أصابه قوّاس في رجله، فصار يبكي وينادي يا أبي يا غوّاص، قرصتني زلقطة، ومات بعد أيام، رحمه الله تعالى.
وفي يوم الثلاثاء سادس ذي الحجة أرسل موسى كيخية متسلم دمشق الشام بيرقين دالاتية ومعهم بعض من جماعتهم، فجاؤوا له بإسماعيل آغا ابن الشاويش بالجنزير، وكان مقيماً في بعض القرى صوباصياً، ورفعه إلى القلعة، وكذلك جاؤوا له بأخيه سليمان آغا ابن الحملي وبأحمد آغا ابن عساكر فأوقفوهم، وذكر للمتسلم أنهم كانوا مساعدين للدروز والزرب.
وفي يوم السبت كانت وقفة عيد الأضحى في دمشق الشام، ذلك العام. وقد كانت سنة كثيرة الأهوال والآلام. فقد صار فيها جدري كثير حتى أفنى وأمات أولاداً كثيرة فسبحان الباقي بعد فناء.
سنة 1162
ثم دخلت سنة اثنين وستين ومئة بعد الألف، وكانت غرة محرمها يوم السبت. والمرجو من الله تبارك وتعالى أن تكون سنة مباركة علينا وعلى جميع إخواننا المسلمين. والآن الناس في شدة وحصر زائد من كثرة الغلاء والشدائد. ولكن استبشرت الناس بالخير بكثرة الأمطار التي هطلت بأول هذا العام. وقد عمل لهذه السنة تاريخاً حسناً وفألاً مستحسناً أديب الشام الشيخ عبد الرحمن، وأدرجه ضمن هذين البيتين. فقال:
عام جديد نرتجي من ربنا ... فيه مزيد الخير والنعماء
فعساه يغنينا بواسع فضله ... إذ عمنا أرّخت عام غناء
وفي يوم الاثنين ثاني محرم هذه السنة توفي شيخنا محدث الديار الشامية، بل خاتمة المحدثين، من افتخرت به دمشق على سائر الدنيا الشيخ إسماعيل العجلوني المدرّس تحت قبة النسر بجامع بني أمية، ولم يبق أحد من أهل الشام من كبير وصغير إلا حضر جنازته. ودفن بتربة الشيخ أرسلان، رضي الله عنه. وعوّض الإسلام خيراً.
وفي تلك الأيام توفي إبراهيم آغا آغة القبقول المنفصل عن منصبه أشهراً، وكان ديِّناً متواضعا ملازماً لصلاة الجماعة في الجامع الأموي رحمه الله تعالى.
وفي السابع والعشرين من المحرم أقبل جوقدار الحج، وبعد ثلاثة أيام جاء كتّاب الحج. وفي ليلة الخميس دخل الحج الشريف خامس يوم من صفر الخير.
وفي ليلة الجمعة توفي الشاب اللطيف ذو القدر المنيف والأصل الشريف سلاسة السادة السعدية والبضعة الصديقية الشيخ بكري بن الشيخ مصطفى بن سعد الدين، لأن أباه من بيت سعد الدين، وأمه من بيت البكري، رحمه الله وعوّضه الجنة آمين.