ولي كبِدٌ مقروحةٌ مَن يَبيعُني ... بها كبداً ليستْ بذاتِ قروحِ

أباها عليَّ النَّاسُ لا يشترونَها ... ومن يشترِي ذا علَّةٍ بصحيحِ

وأمَّا قوله: " إذا اعتلَّتِ الأفواهُ " البيت، فما نعلم أنَّ أحداً من المتقدمين ولا المحدثين جوَّد في هذا المعنى وأبدع وأتى بما لم يأتِ به غيره ولا يقدر عليه سواه غير ابن الرومي فإنَّه أبدع وطرَّف وملَّح بقوله:

تُعنِّتُ بالمسواك أبيضَ صافياً ... تكادُ عَذارَى الدُّرِّ منه تحدَّرُ

وما سرَّ عيدانَ الأراكِ برِيقها ... تناوُحها في أيكِها تتهصَّرُ

لئنْ عدمتْ سُقيا الثَّرى إنَّ رِيقها ... لأعذبُ من هاتيك سُقياً وأخصرُ

وما ذقتُهُ إلاَّ بشَيم ابتِسامِها ... وكم مَخبرٍ يُبديهِ للعينِ منظرُ

بدا لِي وميضٌ شاهدٌ أنَّ صوبهُ ... غريضٌ وما عندِي سوَى ذاكَ مَخبرُ

تذود الكرَى عنه بنشرٍ كأنَّما ... تضوُّعُهُ مسكٌ ذكيٌّ وعنبرُ

وما تَعْتَريها آفةٌ بشريَّةٌ ... من النَّومِ إلاَّ أنَّها تتجبَّرُ

وغيرُ عجيبٍ طيبَ أنفاسِ روضةٍ ... مُنوِّرةٍ باتتْ تُراحُ وتُمطرُ

كذلك أنفاس الرِّياحِ بسُحرةٍ ... تطيبُ وأنفاسُ الأنام تغيَّرُ

هذه الأبيات النهاية في هذا المعنى.

حمار بن معقِّر البارقيّ؟ " معقِّر بن حِمار ":

أعاذلَ لو شهدت غداةَ قَوٍّ ... ونارُ الحرب يُسعرها الحتوفُ

وقد أبدتْ لنا أُمُّ المنايا ... نياباً ما يفارقُها الصَّريفُ

وحامَى كلُّ قومٍ عن أبيهم ... وصارتْ كالمَخاريقِ السُّيوفُ

فلا جُبنٌ فننكُلَ إنْ لَقينا ... ولا هزمُ الجُيوش لنا طريفُ

أمَّا قوله: " وحامَى كلّ قومٍ عن أبيهم " البيت، ففي نهاية الحسن وشرف المعنى، وهو شبيهٌ بقول عمرو بن كلثوم:

كأنَّ سيوفَنا منَّا ومنهم ... مخاريقٌ بأيدِي لاعِبينا

ومثله قول قيس بن الخطيم:

أجالدُهم يومَ الحديقةِ حاسراً ... كأنَّ يدي السَّيف مخراقُ لاعبِ

ومن أحسن ما نعرف في صفة الفرس قول جُحيش بن وابصة الأسديّ وهي قصيدة أوَّلها:

أيُّ مبكًى ومنظرٍ ومزارِ ... واعتبارٍ لناظرٍ ذي اعتبارِ

بلدٌ كانَ آهلاً من ذَوي النَّج ... دةِ في النَّائباتِ والأخطارِ

مِن كهولِ جرَوا على الحلمِ والعِلْ ... مِ بنَقض الأمور والإمرارِ

وشبابٍ إذا أفادوا أفاتُوا ال ... مالَ لا عُزّلٍ ولا أغْمارِ

وإذا أُفرغوا أجالُوا على الأر ... ضِ كراديسَ مثل سودِ الحرارِ

خلفَها عارضٌ يمدُّ على الآفا ... قِ سِترينِ من حديدٍ ونارِ

نار حربٍ يشبّها الحدّ والدج ... دُّ فتُعشي نواظرَ الأبصارِ

بجيادٍ كأنَّهنَّ التَّماثي ... لُ ليومِ الهياج والمضمارِ

كلّ نهدٍ أقبَّ معتدل الخَلْ ... قِ أمين القوَى عتيق النِّجارِ

ماجَ منه الجرانُ واشتدَّ عِلْباوا ... هُ واحدودَبا دُوَين العذارِ

مًجفر الفَصّ مُكرب الرُّسغ دانِي ال ... أخذِ مستعرضاً ككرِّ مغارِ

طال هاديه والذِّراعان والأض ... لاعُ منه فتمَّ في إجفارِ

ثمَّ طالتْ وأُيِّدتْ فخِذاهُ ... فهوَ ثقفُ الوُثوب ثبتُ الخَبَارِ

وقصير الكراع والظَّهر والسَّا ... قِ قصير العسيب والقلب وارِ

وحديد الفؤاد والطَّرف والعُر ... قوبِ والسَّمع حدَّةً في وقارِ

ورحيب الفروج والجلد والشد ... قبن قدام منحز كالوجار

والعريض الوظيف والجَنب والأوْ ... راكِ والجَبهة العريض الفَقارِ

وهوَ صافِي الأديم والعين والحا ... فرِ غمرِ المَطال والإخطارِ

مطمئنّ النّسور بين حوامى ... كلّ لأْمٍ أصمَّ كامنقارِ

فبهذا نَفوتُ من يَطلب الثَّأ ... رَ لَدَينا ولا نُفاتُ بثارِ

وقال زياد بن حَمَل العدويّ وكان أتى صنعاء فلم يستطبها وحنَّ إلى بلده:

لا حبَّذا أنتِ يا صنعاءُ مِنْ بلدٍ ... ولا شعوبُ هوًى منِّي ولا نُقمُ

وحبَّذا حين تُمسي الرِّيحُ باردةً ... وادِي أُشيٍّ وفتيانٌ بهِ هُضمُ

الدافعونَ إذا ما جرَّ غيرهمُ ... علَى العشيرةِ والكافُونَ ما جرَموا

والمطعمونَ إذا هبَّتْ شآميةٌ ... وباكرَ الحيَّ من صُرَّادها صِرَمُ

حتَّى انجلَى حدُّها عنهم وجارهمُ ... بنجوةٍ مِن حذارِ الشَّرّ معتصمُ

همُ البحورُ عطاءً حيث تسألهُم ... وفي اللِّقاءِ إذا تلقَى بهمْ بُهَمُ

وهم إذا الخيلُ حالوا في كواثبها ... فوارسُ الخيل لا هبْلٌ ولا قزمُ

مُخدَّمونَ ثقالٌ في مجالسهمْ ... وفي الرِّجالِ إذا رافقتهم خدمُ

لمْ ألقَ بعدهمُ حيّاً فأذكرَهمْ ... إلاَّ يزيدهمُ حبّاً إليَّ همُ

كم فيهم من فتًى حلوٍ شمائلُهُ ... جمّ الرَّماد إذا ما أخمدَ البَرَمُ

كأنَّ أصحابهُ بالقَفر يُمطرهم ... مِن مُستحير غزيرٍ صوبهُ ديَمُ

غمرُ النَّدى لا يبيت الحقُّ يثمدُهُ ... إلاَّ غدا وهوَ سامي الطَّرف مبتسمُ

إلى المكارمِ يَبنيها ويعمرُها ... حتَّى ينالَ أُموراً دونها قُحَمُ

زارتْ رُوَيقةُ شُعثاً بعدما هجَمُوا ... لدَى نواحلَ في أرساغها الخدَمُ

يشقَى بها كلّ مرباعٍ مودَّعةٍ ... عرفاءَ يَشبو عليها تامِكٌ سنِمُ

وكانَ عهدي بها والمشيُ يبْهَظُها ... إلى القريبِ ومنها النَّومُ والسَّأمُ

وبالتَّكاليف تأتي بيتَ جارتها ... تمشِي الهُوَينا وما يبدو لها قدمُ

بل ليتَ شِعري متى أغدو تُعارضُني ... جرداءُ سابحةٌ أو سابحٌ قدُمُ

نحو الأُمَيلح أو سَمْنان مبتكراً ... بفِتيةٍ فيهم المَرَّارُ والحكمُ

ليست عليهم إذا يَغدون أرديةٌ ... إلاَّ جيادُ قسيِّ النَّبع واللُّجمُ

من غيرِ عُدمٍ ولكنْ من تبذُّلهم ... للصَّيد حين يَصيح القانصُ اللَّحِمُ

يغدو أمامهمُ في كلِّ مرْبأةٍ ... طلاّعُ أنجدةٍ في كشحِهِ هضَمُ

وأنشدنا ابن دريد وذكر أنَّه أحسن ما وصف به خِباء ولقد صدق في ذلك، والشِّعر لطفيل بن عوف الغنويّ وهو الَّذي يقال له طفيل الخيل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015