وصديق السُّوء لا تأخذه ... بل جميلُ الرَّأي في أن تدعَهْ
فاجْتَنِبْه واجتنبْ أشياعَهُ ... إنَّ من آخَى لئيماً وضعَهْ
أما قوله: " إنَّ من آخى لئيماً وضعه " مثل قول الأنصاري:
سَلِي عن جليسي من الندِيّ ومألَفِي ... ومن هوَ لي عند الأمور ظهيرُ
وقريب منه قول علي بن الجهم:
نبيلُ الصديق والعدوّ وإنَّما ... يعادي الفتَى أكفاءه ويُصالحُ
إلاَّ أنَّ بيت علي بن الجهم أشد استيفاء للمعنى وأحسن في اللفظ ممَّن تقدمه، وما يعرف في هذا المعنى مثل بيت عليٍّ هذا جودةً وفصاحة وحسناً.
ومثله:
يُقاسُ المرءُ بالمرءِ ... إذا ما المرءُ ماشاه
والأصل في هذا قول عدي بن يزيد:
عن المرءِ لا تسأل وسل عن قرينه ... فإنَّ القرين بالمقارنِ مقتدي
أعرابي من كندة:
إن تهجُ كندةَ ظالماً ... لم تنجُ من أظْفارها
وهُم إذا ما الحربُ شبَّ ... تْ يصطلون بنارِها
واعلمْ بأنَّك والملي ... كَ لشاربٌ بعُقارها
إنْ لم تُصبك بنارها ... يتلِفْك حرُّ شرارها
الأخطل:
لعمري لئن أبصرتُ قصدي لربَّما ... دعاني إلى البِيض الحِسان دليلُها
ووحشٍ أرانِيه الصِّبا فاقتنصتُهُ ... وكأس سُلافٍ باكرتْني شَمولُها
فما لبَّثتْني أنْ حنَتْني كما ترَى ... قصيرةُ أيَّام الفتَى وطويلُها
وما يَزدهيني في الأمورِ أخفُّها ... ولا أضلعَتْني حين نابَ ثقيلُها
آخر:
قومي هم قتلوا أُميم أخي ... فإذا رميتُ يُصيبُني سهمي
فلئن عفوتُ لأعفُونْ جَلَلاً ... ولئن قتلتُ لأُوهِنَنْ عَظمي
قد تقدَّم لهذا المعنى فيما كتبناه نظائر كثيرة، وممَّا لم نكتب منها قول العبديّ:
نُطاعنُ قومَنا بمثقَّفاتٍ ... تردّ القِرنَ منجدلاً نزيفا
ولم أرَ مثلَنا يومَ التقيْنَا ... تَفُلُّ سيوفُنا منَّا سُيوفا
وهذان البيتان من أحسن ما قيل في هذا المعنى وصفاً ولفظاً، ولقد جوَّد أبان العنبريّ أيضاً في قوله وذكر هذا المعنى:
نُغادي آل مرَّة كلّ يومٍ ... بأسيافٍ وأرماح لِدانِ
ونعلمُ مثلَ علمهمُ بأنَّا ... نُقطِّعُ بالبَنان قوى البنانِ
أعرابي من بني الحارث بن كعب:
بني عمّنا لا تَنطقوا الشعرَ بعدَما ... دَفنتُم بصحراء الغَميم القوافِيا
فلسْنا كمن كنتم تُصيبونَ مرَّةً ... فنقبَل ضَيماً أو نحكِّم قاضِيا
ولكنَّ حكم السَّيف فينا محكَّمٌ ... فنرضَى إذا ما أصبح السيفُ راضِيا
فإنْ قلتمُ إنَّا ظلمنَا فلم نكنْ ... ظلمنا ولكنَّا أسأنَا التَّقاضِيا
آخر:
إذا ما أراد اللهُ ذلَّ عشيرةٍ ... رماها بتشتيتِ الهوَى والمجادلِ
وأوَّل عجز القوم عمَّا ينوبُهم ... تدافعُهم عنه وطولُ التواكلِ
الأحيمر السعديّ وطرده قومه لكثرة جناياته:
وإنِّي لأستَحْيي من الله أنْ أُرَى ... أُجرِّرُ حبلاً ليس فيه بعيرُ
وأنْ أسألَ الوغدَ البخيلَ بعيرَه ... وبُعْرانُ ربِّي في البلادِ كثيرُ
عوَى الذئبُ فاستأنستُ للذئب إذ عوَى ... وهينَمَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
بعض الأعراب:
رُجحٌ فلسنَ من اللَّواتي بالضُّحى ... لذيولهنَّ على الطريقِ غُبارُ
وإذا خرجنَ يعدنَ أهل مصيبةٍ ... كانَ الخُطا إسراعُها الأشبارُ
يأنَس عند بعولهنَّ إذا خلَوْا ... وإذا هُم خرجوا فهنَّ خِفارُ