ولشتَّان بين قول هذا في الغضب وقول جرير:
إذا غضبتْ عليك بنو تميم ... حسبتَ النَّاس كلَّهم غِضابا
وبين قول بشار بن برد:
إذا ما غضِبْنا غضبةً مضَرِيَّةً ... هتكْنا حجابَ الشَّمس أو قطرتْ دما
ومثل المعنى الأول في الاستهانة بالغضب قول أبي على البصير:
يا أبا العَيناء لا تَغْ ... ضَبْ وإنْ تغضبْ فأَهوِنْ
الأعشى:
أبا لِموتِ خَشَّنني عباد وإنما ... رأيتُ منايا القوم يسعَى دليلُها
فما مِيتةٌ إنْ مُتُّها غير عاجزٍ ... بعارٍ إذا ما غالتِ النفسَ غُولُها
وله:
أبا ثابتٍ لا تعلَقَنْكَ رماحُنا ... أبا ثابت واقعُدْ فإنَّك طاعمُ
طعامَ العراق المستجادَ الَّذي ترَى ... وفي كلِّ عام كسوة ودراهمُ
فأخذ هذا المعنى الحطيئة فزاد على الأعشى زيادة بيّنة بقوله:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغيَتِها ... واقعدْ فإنَّك أنتَ الطَّاعمُ الكاسي
وما أقرب هذا المعنى من قول الآخر:
إذا ما كنت ذا أكل وشُرب ... فلا تطمَحْ إلى نيلِ المعالي
هذا ضد قول امرئ القيس:
فلو أنَّ ما أسعَى لأدنَى معيشةٍ ... كفاني ولم أطلبْ قليل من المالِ
ولكنَّما أسعَى لمجد مؤثَّلٍ ... وقد يُدركُ المجدَ المؤثلَ أمثالي
أعرابي من بني عامر وخطب امرأة منهم كانت قد تزوَّجت قبله وكان لها مال فلم تتزوجْه وردَّته فقال:
أترجو العامريَّة زوج صدقٍ ... وقد زادتْ على مائة سنُوها
يُطفطفُ ما يريد الزوج منها ... وأنْتنَ في طويل العمر فُوها
ونُقِّل رحلُها في كلِّ حيٍّ ... وجرَّبتِ الرجالَ وجرَّبوها
فما وجدوا مناسبَها كراماً ... ولا هُم عند خلوتها رضُوها
ولا هي بالولود لمن أتاها ... ولو ولدتْ لَشينَ بنُوها
وفيها لابنها خِزيٌ طويلٌ ... كما قد كانَ أخزاها أبُوها
عمرو بن معد يكرب:
أعاذلَ إنَّما أفنَى شبابي ... ركوبي في الصِّريخِ إلى المنادِي
أعاذلَ شِكَّتى بدَنِي ورُمحي ... وكلّ مقلّص سلِس القِيادِ
ومثله قول الآخر:
وأفنَى شبابي قِراع الكُماة ... وإلجام خيل وإسراجُها
وقال آخر:
إنَّما أفنَى شبابي أنَّني ... أركبُ اللَّيلَ إذا نامَ الدثورُ
قد تقدَّم شيء من نظائر هذا المعنى في صدر هذا الكتاب.
سلمة بن رِشْك اليشكريّ:
عاودَ القلب خبالٌ رَدَعَهْ ... كلَّما قلتُ تناهى صَدَعَهْ
وجوى من حبِّ سلمى مضمرٌ ... أتعبَ القلبَ وأبْدى جزعَهْ