البرد في الشتاء أشدّ ما يكون طرفَي النهار، فهو قوله: " إذا مات نصف الشَّمس " أراد آخر النهار وقد غاب نصف الشَّمس وهو الَّذي مات، والنصف الَّذي ينزع هو الَّذي بقي منها، وهذا استعارة في نهاية الحسن والجودة.
وأما قوله: " أحدّثه إن الحديث من القرى " جيد حسن، وتمام الكرم عندهم مضاحكة الضيف ومحادثته وطلاقة الوجه. ومن أمثالهم: إنّ الحديثَ من القِرى طرفٌ. وقال الآخر:
أُضاحكُ ضيفي قبلَ إنزال رحلِه ... ويُخصِبُ عندي والمحلُّ جديبُ
وما الخِصبُ للأضياف أن يكثُر القِرى ... ولكنَّما وجهُ الكريم خَصيبُ
وله أيضاً:
ناري ونارُ الجار واحدة ... وإليه قَبلي تُنزَل القِدْرُ
ما ضرَّ جاراً لي أُجاورُه ... أن لا يكون لبابِه سِتْرُ
أعمى إذا ما جارتي ظهرَتْ ... حتَّى يُغيِّبَ جارتي الخِدْرُ
ذكر بعض الرواة أن امرأة مسكين خاصَمتْه ونسبَتْه إلى البخل، فقيل لها: أليس هو القائل:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تُنزل القِدرُ
قالت: صدقَ، النار والقدر لجاره، وإليه تُنزل قبله لأنه صاحبُها؛ وهو أيضاً لا يشعل ناراً مخافة أن يراها ضيفٌ فيأتيَها، فعجب كلّ من حضر لتأتِّيها وحسن جوابها.