فأجبتُها أنْ ما لجسميَ أنَّهُ ... أودَى بَنِيَّ من البلادِ فودَّعوا
أودَى بنيَّ وأعقَبوني حَسرةً ... عند الرُّقاد وعَبرةً ما تُقلعُ
فالعينُ بعدهمُ كأنَّ حِداقَها ... سُملتْ بشوكٍ فهْيَ عُورٌ تدمَعُ
سَبَقوا هوايَ وأعْنَقوا لِهواهُمُ ... ففقدتهمُ ولكلِّ جنبٍ مصرَعُ
فلبثتُ بعدهمُ بعيش ناصِب ... وإخالُ أنِّي لاحقٌ مُستتبَعُ
ولقد حَرَصتُ بأن أُدافعَ عنهمُ ... فإذا المنيَّةُ أقبلتْ لا تُدفَعُ
وإذا المنيَّةُ أنشبتْ أظفارَها ... ألفيتُ كلَّ تميمةٍ لا تنفَعُ
وتجلُّدي للشَّامتينَ أُريهمُ ... أنِّي لرَيب الدَّهر لا أتضعضَعُ
حتَّى كأنِّي للحوادثِ مَروةٌ ... بصفا المُشَقَّر كلَّ يوم تُقرَعُ
والنَّفسُ راغبةٌ إذا رغَّبْتَها ... وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تقنَعُ
والدَّهرُ لا يبقَى على حَدَثانه ... جَونُ السَّراة له جدائدُ أربَعُ
بقَرار قِيعانٍ سقاها صَيِّفٌ ... واهٍ فأثْجَمَ بُرهةً لا يُقلِعُ
والدَّهرُ لا يبقَى على حَدَثانه ... شَبَبٌ أفَزَّتْهُ الكلابُ مُفزَّعُ
حَمِيتْ عليه الدِّرعُ حتَّى وجهُهُ ... من حرِّها يومَ الكريهةِ أسفَعُ
بَينا تَعنُّقِهِ الكُماةَ وخُدعةٍ ... منه أُتيحَ له جَريءٌ سَلْفَعُ
فتنادَيا وتواقفتْ خَيلاهُما ... وكِلاهما بطلُ اللِّقاءِ مخدَّعُ
متحاميَين المجدَ كلٌّ واثق ... ببلائِهِ واليوم يومٌ أشنَعُ
وعليهما مَسرودَتانِ قَضاهما ... داوُدُ أو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
وكلاهما في كفِّهِ يَزَنيَّةٌ ... فيها سنانٌ كالمَنارة يلمَعُ
وكلاهما متوشِّحٌ ذا رونقٍ ... عَضْباً إذا مسَّ الضَّريبة يقطَعُ
فتخالَسَا نفسَيْهما بنوافذٍ ... كنوافذِ الخرق الَّتي لا تُرقعُ
وكلاهما قد عاشَ عيشَةَ ماجدٍ ... وجنَى العلاءَ لَوَ انَّ شيئاً ينفَعُ
ومن المراثي الجِياد قصيدة زياد الأعجم يرثي المغيرة بن المهلَّب، فاستنشده المهلَّب هذه القصيدة حتَّى أتى على قوله: