الفرس الجرور وعليه الشَّملة الفَلوت ثمَّ يصبح ضاحكاً طلق الوجه، وسئل مرَّةً أخرى فقيل له: أين كان مالك منك؟ فقال: ساعةٌ واحدة - والله - من مالك مثل حولٍ منِّي مجرَّمٍ، قيل: وكيف ذاك؟ قال: أُسرت في بعض أحياء العرب فأقمتُ حولاً مجموعةً يدايَ إلى عنقي، فلمَّا كان في الشَّهر الحرام جاء مالك لفدائي، فلمَّا أشرف على الحيّ ونظروا إلى جماله لم يبقَ فيهم قاعدٌ إلاَّ قام ولا ذات خِدرٍ إلاَّ كشفت سِجفَ خِدرها لتنظر إليه، فلمَّا كلَّمهم وسمعوا فصاحته وبيانه أطلقوني له بغير فداء فعلمتُ أنَّ ساعةً منه خيرٌ من حول منِّي. وكان متمِّمٌ أعور فيُروى أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب قال له: يا متمِّم! ما بلغ من حزنك على مالك؟ فقال: بكيتُ عليه بعيني الصحيحة حتَّى أسعدتها بالبكاء عيني العوراء، فقال أمير المؤمنين: هذا نهاية الحزن. ومراثي متمِّم في مالك كثيرة إلاَّ أنَّا نورد ما نختار من بعضها، فمن ذلك قصيدته المشهورة وأوّلها:
لعمري وما عَمري بتأبين مالكٍ ... ولا جزعاً ممَّا أصابَ فأوجَعا
لقد غيَّبَ المِنهال تحت ردائهِ ... فتًى غيرَ مِبطان العشيَّاتِ أروعا
لبيباً أنارَ اللُّبَّ منه سماحةً ... خَصيباً إذا ما راكبُ الجَدب أمْرَعا
تَراهُ كمثل السَّيف يندَى بَنانهُ ... إذا لم تجدْ عند امرئ السَّوء مطمَحا
ويوماً إذا ما كظَّك الخصمُ إنْ يكنْ ... نَصيرَك فيه لا تكنْ أنتَ أضْرَعَا
أبَى الصَّبرَ آياتٌ أراها وأنَّني ... أرَى كلَّ حَبلٍ بعد حبلك أقطَعا
أقول وقد طارَ السَّنا في رَبابه ... بجَونٍ يَسُحُّ الماءَ حتَّى تَريَّعا
سقَى اللهُ أرضاً حلَّها قبرُ مالكٍ ... ذهابَ الغَوادي المُدجِنات فأمْرعا
لَعِشنا بخَير في الحياة وقبلَنا ... أصابَ المنايا رهطَ كسرَى وتُبَّعا
وكنَّا كنَدمانَي جَذيمةَ حِقبةً ... من الدَّهر حتَّى قيلَ لن يتصدَّعا
فلمَّا تفرَّقنا كأنِّي ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لم نبتْ ليلةً مَعَا