كأنَّ فتَى الفِتيان توبةَ لم يُنخْ ... بنجدٍ ولم يهبطْ مع المتغوِّرِ
ولم يردِ الماءَ السِّدامَ إذا بدَا ... سَنا الصُّبح في بادِي الحواشي المنوِّرِ
قتلتمْ فتًى لم يُسقطِ الرُّعبُ رمحهُ ... إذا الخيلُ جالتْ في قناً متكسِّرِ
وبيداءَ مِمْحال يحارُ بها القطا ... قطعتَ على هَول الجَنان بمنسِرِ
فلمَّا بدتْ أرض العدوِّ سقيتَها ... مُجاجَ بَقيّات المَزاد الموفَّرِ
ولمَّا أهابوا للنِّهاب حويتَهُ ... بِخاظي البضيع مُلهب الشَّدِّ مِحضَرِ
فأحرزتَ منهُ ما أردتَ بقدرةٍ ... وسطوةِ جبَّارٍ وإقدامِ قَسوَرِ
ألا رُبَّ مكروبٍ أجبتَ ونائلٍ ... فعلتَ ومعروفٍ لديكَ ومُنكرِ
فيا توبَ للمولَى ويا توبَ للنَّدَى ... ويا توبَ للمستنبحِ المتنوِّرِ
أمَّا قولها: " ولمَّا أهابوا " البيتين، فما نعلم أنَّ أحداً من الشعراء مدح إنساناً بأنه يحوي السَّلَب ويُقدم عليه هذا الإقدام، الَّذي ذكرت ليلَى، غير هائلٍ، بل رأيناهم يمدحون الفارس بأنه يشهد الحرب ويُجيد القتال، فإذا بلغ حاجته من قهر عدوّه ترك السَّلب تنزُّهاً عن ذلك وظلف نفسٍ أن يأخذ شيئاً من أسلاب أعدائه بعد قتلهم وهزيمتهم إذ كان غرضه ذلك لا غيره، وقد ذكرنا قطعةً من أشعارهم في ذلك قبل هذا الموضع.
وقالت ليلَى ترثي توبة أيضاً:
أقسمتُ أبكي بعد توبةَ هالكاً ... وأحفِلُ مَن دارتْ عليه الدَّوائِرُ
لعمرُك ما بالموتِ عارٌ على الفتَى ... إذا لم تصبهُ في الحياةِ المعايِرُ
وما أحدٌ حيٌّ وإنْ كانَ سالماً ... بأخلدَ ممَّن غيَّبتهُ المقابِرُ
ومَن كانَ ممَّا يُحدثُ الدَّهرُ جازعاً ... فلا بدَّ يوماً أنْ يُرَى وهوَ صابِرُ
وليسَ لذِي عيشٍ من الموتِ مذهبٌ ... وليس على الأيَّامِ والدَّهرِ غابِرُ
وكلُّ جديدٍ أو سبابٍ إلى بلًى ... وكلُّ امرئٍ يوماً إلى اللهِ صائِرُ
وكلُّ قَرينَي أُلفةٍ لتفرُّقٍ ... شَتاتاً وإنْ عاشا وطالَ التَّعاشُرُ